صفحة جزء
باب اعتبار الحرز والقطع فيما يسرع إليه الفساد 3143 - ( عن رافع بن خديج قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : لا قطع في ثمر ، ولا كثر } . رواه الخمسة ) .

3144 - ( وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال { : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 152 ] عن الثمر المعلق ، فقال : من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ، ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة ، ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع } . رواه النسائي وأبو داود .

وفي رواية قال { : سمعت رجلا من مزينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحريسة التي توجد في مراتعها قال : فيها ثمنها مرتين وضرب نكال ، وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن قال : يا رسول الله فالثمار وما أخذ منها في أكمامها ؟ قال : من أخذ بفيه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء ، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال ، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن } رواه أحمد والنسائي ولابن ماجه معناه . وزاد النسائي في آخره " وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال " ) .

3145 - ( وعن عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقا سرق أترجة في زمن عثمان بن عفان ، فأمر بها عثمان أن تقوم فقومت ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر بدينار فقطع عثمان يده . رواه مالك في الموطإ ) .


حديث رافع بن خديج أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ، وصححه البيهقي وابن حبان واختلف في وصله وإرساله . وقال الطحاوي : هذا الحديث تلقت العلماء متنه بالقبول . وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا الحاكم ، وصححه وحسنه الترمذي .

وأثر عثمان أخرجه أيضا البيهقي وابن المنذر .

وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد وابن ماجه بنحو حديث رافع وفي إسناده سعد بن سعيد المقبري وهو ضعيف .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة حبل } وهو معضل

قوله : ( ولا كثر ) بفتح الكاف والثاء المثلثة وهو الجمار . قال في القاموس : ويحرك : جمار النخل أو طلعها ، قال أيضا : والجمار كرمان : شحم النخلة . قوله : ( خبنة ) بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها نون . قال في القاموس : خبن الثوب وغيره يخبنه خبنا وخبانا بالكسر : عطفه وخاطه ليقصر والطعام غيبه وخبأه للشدة والخبنة بالضم : ما تحمله في حضنك انتهى . قوله : ( الجرين ) قال في النهاية : هو موضع تجفيف التمر وهو له كالبيدر للحنطة ، ويجمع على جرن بضمتين . قال في القاموس : والجرن بالضم وكأمير ومنبر البيدر وأجرن التمر : جمعه فيه انتهى .

قوله : [ ص: 153 ] عن الحريسة ) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون التحتية بعدها سين مهملة ، قيل : هي التي ترعى وعليها حرس فهي على هذا المحروسة نفسها . وقيل : هي السيارة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها .

وفي القاموس : حرس كضرب : سرق ، كاحترس وكسمع : عاش زمانا طويلا والحريسة المسروقة الجمع حرائس ، وجدار من حجارة يعمل للغنم انتهى . قوله : ( فيها ثمنها مرتين ) فيه دليل على جواز التأديب بالمال . وقد تقدم الكلام على ذلك في الزكاة . وقوله : ( وضرب نكال ) يجوز أن يكون بالتنوين للأول وبالإضافة ، وفيه جواز الجمع بين عقوبة المال والبدن . قوله : ( في أكمامها ) جمع كم بكسر الكاف : وهو وعاء الطلع .

وقد استدل بحديث رافع على أنه لا قطع على من سرق الثمر والكثر سواء كانا باقيين في منبتهما أو قد أخذا منه وجعلا في غيره وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة . قال : ولا قطع في الطعام ولا فيما أصله مباح كالصيد والحطب والحشيش . واستدل على ذلك أيضا بأن هذه الأمور غير مرغوب فيها ولا يشح بها مالكها فلا حاجة إلى الزجر والحرز فيها ناقص . وذهبت الهادوية إلى أنه لا قطع في الثمر والكثر والطبائخ والشواء والهرائس إذا لم تحرز ، وأما إذا أحرزت وجب فيها القطع وهو محكي عن الجمهور .

وذهب الثوري إلى أن الشيء إن كان يبقى يوما فقط كالهرائس والشواء لم يقطع سارقه وإلا قطع .

وقال الشافعي : إن حديث رافع خرج على ما كان عليه عادة أهل المدينة من عدم إحراز حوائطها فذلك لعدم الحرز ، فإذا أحرزت الحوائط كانت كغيرها . وقد حكى صاحب البحر عن الأكثر أن شرط القطع الحرز . وعن أحمد وإسحاق وزفر والخوارج ، وهو مروي عن الظاهرية وطائفة من أهل الحديث ، أنه لا يشترط .

ويدل على ذلك ما سيأتي في قطع جاحد الوديعة وفي باب تفسير الحرز . ومما يستدل به على عدم القطع في الثمر إذا كان غير محرز حديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب ، فإن فيه : إن من أصاب من الثمر المعلق بفيه ولم يتخذ خبنة فلا قطع عليه ولا ضمان إن كان من ذوي الحاجة ، وإن خرج بشيء منه كان عليه غرامة مثليه ومن سرق منه بعد أن يحرز في الجرين قطع إذا بلغ ثمن المجن " فهذا يدل على أن الثمر إذا أحرز قطع سارقه . ومما يدل على اعتبار الحرز أيضا رواية النسائي وأحمد المذكورة في الباب في سارق الحريسة والثمار .

وأما أثر عثمان المذكور في الباب " أنه قطع في أترجة " فلا يعارض ما ورد في اعتبار الحرز ; لأن غاية ما فيه أنه لم يقع تقييد ذلك بالحرز فيمن حمله على أن تلك الأترجة كانت قد أحرزت وهكذا حديث رافع فإن ظاهره أنه لا قطع في ثمر ولا كثر مطلقا ولكنه مطلق مقيد بحديث عمرو بن شعيب المذكور بعده .

[ ص: 154 ] باب تفسير الحرز وأن المرجع فيه إلى العرف 3146 - ( عن صفوان بن أمية قال : { كنت نائما في المسجد على خميصة لي فسرقت فأخذنا السارق فرفعناه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه فقلت : يا رسول الله أفي خميصة ثمن ثلاثين درهما ؟ أنا أهبها له أو أبيعها له قال : فهلا كان قبل أن تأتيني به } . رواه الخمسة إلا الترمذي .

وفي رواية لأحمد والنسائي : فقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . 3147 - ( وعن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق سرق برنسا من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم } . رواه أحمد وأبو داود والنسائي ) . حديث صفوان أخرجه مالك في الموطإ والشافعي والحاكم من طرق منها عن طاوس عن ابن عباس قال البيهقي : وليس بصحيح ، ومنها عن طاوس عن صفوان ، قال ابن عبد البر : سماع طاوس عن صفوان ممكن لأنه أدرك زمن عثمان .

وروي عنه أنه قال : أدركت سبعين صحابيا . ورواه مالك عن الزهري عن عبيد الله بن صفوان عن أبيه . وقد صححه ابن الجارود والحاكم ، وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الحافظ : وسنده ضعيف . ورواه البزار والبيهقي عن طاوس مرسلا . ورواه أيضا البيهقي عن الشافعي عن مالك أن صفوان بن أمية الحديث ، وأخرجه أيضا البيهقي من حديث حميد بن أخت صفوان عن صفوان . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا مسلم بمعناه . قوله : ( خميصة ) بخاء معجمة مفتوحة وميم مكسورة وتحتية ساكنة ثم صاد . قال في القاموس : الخميصة : كساء أسود مربع له علمان . قوله : ( برنسا ) بضم الموحدة وسكون الراء وضم النون بعده مهملة . قال في القاموس : هو قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه ، دراعة كان أو جبة .

وفي جامع الأصول وسنن أبي داود وغيرها بلفظ " ترسا " بالمثناة من فوق وسكون الراء بعدها مهملة وهو معروف .

قوله : ( صفة النساء ) بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء : أي الموضع المختص بهن من المسجد وصفة المسجد موضع مظلل منه . وحديث صفوان يدل على أن العفو بعد الرفع إلى الإمام لا يسقط به الحد وهو مجمع عليه كما قدمنا ذلك في باب الحث على إقامة الحد إذا ثبت والنهي عن الشفاعة [ ص: 155 ] فيه .

وروي عن أبي حنيفة أنه يسقط القطع بالعفو مطلقا والحديث يرد عليه بقوله : " فهلا كان قبل أن تأتيني به " الإخبار له عما ذكره من البيع أو الهبة أنهما إنما يصحان قبل الرفع إلى الإمام لا بعده وفيه دليل على أن القطع يسقط بالعفو قبل الرفع وهو مجمع عليه . وقد استدل بحديثي الباب من قال بعدم اشتراط الحرز . وقد سبق ذكرهم في الباب الذي قبل هذا .

ويرد بأن المسجد حرز لما داخله من آلة وغيرها ، وكذلك المذكورة في حديث ابن عمر ولا سيما بعد أن جعل صفوان خميصته تحت رأسه كما ثبت في الروايات ، وأما جعل المسجد حرزا لآلته فقط فخلاف الظاهر ، ولو سلم ذلك كان غايته تخصيص الحرز بمثل المسجد ونحوه مما يستوي الناس فيه لما في ترك القطع في ذلك من المفسدة وأما التمسك بعموم آية السرقة فلا ينتهض للاستدلال به لأنه عموم مخصوص بالأحاديث القاضية باعتبار الحرز . ومما يؤيد اعتباره قول صاحب القاموس : السرقة والاستراق : المجيء لأخذ مال غيره من حرز ، فهذا إمام من أئمة اللغة جعل الحرز جزءا من مفهوم السرقة ، وكذا قال ابن الخطيب في تيسير البيان .

التالي السابق


الخدمات العلمية