صفحة جزء
باب المحاربين وقطاع الطريق 3182 - ( عن قتادة عن أنس { أن ناسا من عكل وعرينة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وتكلموا بالإسلام فاستوخموا المدينة ، فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذود وراع ، وأمرهم أن يخرجوا فليشربوا من أبوالها وألبانها ، فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث الطلب في آثارهم ، فأمر بهم فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم } . رواه الجماعة ، وزاد البخاري : قال قتادة : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة ، وينهى عن المثلة .

وفي رواية لأحمد والبخاري وأبي داود ، قال قتادة : فحدثني ابن سيرين أن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود . وللبخاري وأبي داود في هذا الحديث : { فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم ، ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا } .

وفي رواية النسائي : فقطع أيديهم [ ص: 181 ] وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبهم ) .

3183 - ( وعن سليمان التيمي عن أنس قال { : إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة } . رواه مسلم والنسائي والترمذي ) .

3184 - ( وعن أبي الزناد { : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله في ذلك ، فأنزل { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا } الآية } . رواه أبو داود والنسائي ) .

3185 - ( وعن ابن عباس في قطاع الطريق : إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض . رواه الشافعي في مسنده ) .


حديث أبي الزناد - وقد سكت عنه أبو داود - لم يذكر المنذري له علة غير إرساله ، ورجال هذا المرسل رجال الصحيح . وقد وصله أبو الزناد من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عمرو عن عمر كما في سنن أبي داود في الحدود . ويؤيده ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس : { أن ناسا أغاروا على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنا ، فبعث في آثارهم فأخذوا ، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ، قال : فنزلت فيه آية المحاربة } وعند البخاري وأبي داود عن أبي قلابة أنه قال في العرنيين : فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله ، وهو يشير إلى أنهم سبب الآية .

وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عمر أن الآية نزلت في العرنيين : .

وأثر ابن عباس في إسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وهو ضعيف عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس . وأخرجه البيهقي من طريق محمد بن سعيد العوفي عن آبائه إلى ابن عباس في قوله : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } قال : إذا حارب فقتل فعليه القتل إذا ظهر عليه قبل توبته ، فإذا حارب وأخذ المال وقتل فعليه الصلب . وإن لم يقتل فعليه قطع اليد والرجل من خلاف . وإذا حارب وأخاف السبيل فإنما عليه النفي " ورواه أحمد بن حنبل في تفسيره عن أبي معاوية عن عطية به نحوه .

[ ص: 182 ] وأخرج أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن ابن عباس أنه قال : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } إلى { غفور رحيم } نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدروا عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه ، وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . قوله : ( من عكل وعرينة ) في رواية للبخاري " من عكل أو عرينة " بالشك ، ورواية الكتاب هي الصواب كما قال الحافظ ، ويؤيدها ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال : " كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل " وزعم الداودي وابن التين أن عرينة هم عكل وهو غلط ، بل هما قبيلتان متغايرتان ، فعكل من عدنان ، وعرينة من قحطان .

وعكل بضم العين المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب . وعرينة بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا : حي من قضاعة وحي من بجيلة ، والمراد هنا الثاني ، كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي ، وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس . ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط أنهم من بني فزارة وهو غلط ، لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلا . وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد ، وكانت في جمادى الآخرة سنة ست . وذكر الواقدي أنها كانت في شوال منها ، وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما . قوله : ( فاستوخموا المدينة ) في رواية : " اجتووا المدينة " قال ابن فارس : اجتويت المدينة إذا كرهت المقام فيها وإن كنت في نعمة ، وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة .

وقال القزاز : اجتووا أي لم يوافقهم طعامها . وقال ابن العربي : الجوى : داء يأخذ من الوباء ، ورواية " استوخموا " بمعنى هذه الرواية ، وللبخاري في الطب من رواية ثابت عن أنس : { أن ناسا كان بهم سقم قالوا : يا رسول الله آونا وأطعمنا ، فلما صحوا قالوا : المدينة وخمة } والظاهر أنهم قدموا سقاما ، فلما صحوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها ، فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع ، كما رواه أبو عوانة عن أنس أنه كان بهم هزال شديد . وعنده من رواية أبي سعيد مصفرة ألوانها ، وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمى المدينة ، كما رواه أحمد عن أنس . وذكر البخاري في الطب عن عائشة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن ينقلها إلى الجحفة " . قوله : ( فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذود وراع ) وقد تقدم تفسير الذود في الزكاة .

وفي رواية للبخاري وغيره " فأمرهم بلقاح " أي أمرهم أن يلحقوا بها ، وفي أخرى له " فأمر لهم بلقاح " واللقاح بكسر اللام وبعدها قاف وآخره مهملة : النوق ذوات الألبان ، واحدتها لقحة [ ص: 183 ] بكسر اللام وإسكان القاف . قوله : ( فليشربوا من أبوالها ) استدل به من قال بطهارة أبوال الإبل ، وقاس سائر المأكولات عليها ، وقد تقدم الكلام على ذلك في أوائل الكتاب . قوله : ( بناحية الحرة ) هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة . قوله : ( وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم ) اسمه يسار بياء تحتانية ثم مهملة خفيفة كما ذكره الطبراني وابن إسحاق في السيرة .

وفي لفظ لمسلم أنهم قتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال : قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل . قال الحافظ : ولم أقف على اسم الراعي الآتي بالخبر ، والظاهر أنه راعي إبل الصدقة ، ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعث الطلب في آثارهم . ذكر ابن إسحاق عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري وكرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي ، وفي رواية للنسائي : " فبعث في طلبهم قافة " أي جمع قائف . ولمسلم " إنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلا ، وبعث معهم قائفا يقتص آثارهم " .

وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد ، وذكر غيره أنه سعيد بن زيد الأشهلي ، والأول أنصاري . ويمكن الجمع بأن كل واحد منهما أمير قومه وكرز أمير الجميع .

وفي رواية للطبراني وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في آثارهم ، وإسناده ضعيف ، والمعروف أن جريرا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة . قوله : ( فأمر بهم ) فيه حذف تقديره فأدركوا فأخذوا فجيء بهم فأمر بهم .

وفي رواية للبخاري فلما ارتفع النهار جيء بهم .

قوله : ( فسمروا أعينهم ) بالسين المهملة وتشديد الميم .

وفي رواية للبخاري " وسمرت أعينهم " .

وفي رواية لمسلم : " وسمل أعينهم " بتخفيف الميم واللام . قال الخطابي : السمر لغة في السمل ومخرجهما متقارب ، قال : وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا بأميال قد أحميت ، قال : والسمل : فقء العين بأي شيء كان . قال أبو ذؤيب الهذلي :

والعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع

وقد وقع التصريح بمعنى السمر في الرواية المذكورة في الباب بلفظ : " فأمر بمسامير . . . إلخ " . قوله : ( وما حسمهم ) أي لم يكو ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركه ينزف . قوله : ( يستسقون فما سقوا ) في رواية للبخاري : " ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا " وفي أخرى له : يعضون الحجارة " وفي أخرى له في الطب ، " قال أنس : فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت " .

وفي رواية لأبي عوانة من هذا الوجه : " يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة " . قوله : ( وصلبهم ) حكي في [ ص: 184 ] الفتح عن الواقدي أنهم صلبوا ، قال : والروايات الصحيحة ترده ، ولكن عند أبي عوانة عن أنس : { فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل اثنين } وهذا يدل على أنهم ستة فقط ، وقد تقدم ما يدل على أنهم سبعة .

وفي البخاري في الجهاد عن أنس : " أن رهطا من عكل ثمانية " . قوله : ( لأنهم سملوا أعين الرعاة ) فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك بهم اقتصاصا لما فعلوه بالرعاة وإلى ذلك مال جماعة منهم ابن الجوزي . وتعقبه ابن دقيق بأن المثلة وقعت في حقهم من جهات ، وليس في الحديث إلا السمل فيحتاج إلى ثبوت البقية ، وقد نقل أهل المغازي أنهم مثلوا بالراعي ، وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ .

قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة : هذا الحديث ينسخ كل مثلة . وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ . ويجاب عن هذا التعقب بحديث أبي الزناد المذكور ، فإن معاتبة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم تدل على أن ذلك الفعل غير جائز ، ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه . وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة ، وقد حضر الإذن ثم النهي عنه . ويؤيده أيضا ما في الباب عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود ، وأصرح من الجميع ما في الباب عن قتادة { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك نهى عن المثلة } ، وإلى هذا مال البخاري ، وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي . واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع ، وأجاب بأن ذلك لم يقع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا وقع منه نهي عن سقيهم . ا هـ .

وتعقب بأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وسكت ، والسكوت كاف في ثبوت الحكم . وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره ، ويدل عليه أن من معه ماء لطهارته فقط لا يسقي المرتد ويتيمم بل يستعمله ولو مات المرتد عطشا . وقال الخطابي : إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ذلك لأنه أراد بهم الموت بذلك وقيل : إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم . قوله : ( وعن ابن عباس في قطاع الطريق ) أي الحكم فيهم هو المذكور . وقد حكى في البحر عن ابن عباس والمؤيد بالله وأبي طالب والحنفية والشافعية أن الآية ، أعني قوله تعالى: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } نزلت في قطاع الطريق المحاربين .

وعن ابن عمر والهادي إنها نزلت في العرنيين ، ويدل على ذلك حديث أبي الزناد المذكور في الباب . وحكى المؤيد بالله وأبو طالب عن قوم أنها نزلت في المشركين . ورد ذلك بالإجماع على أنه لا يفعل بالمشركين كذلك ، ويدفع هذا الرد بما أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن عباس أنها نزلت في المشركين ، وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بعلم التأويل . وقد ذهب أكثر العترة والفقهاء إلى أن المحارب [ ص: 185 ] هو من أخاف السبيل في غير المصر لأخذ المال ، وسواء أخاف المسلمين أو الذميين . قال الهادي وأبو حنيفة : إن قاطع الطريق في المصر أو القرية ليس محاربا للحوق الغوث بل مختلسا أو منتهبا .

وفي رواية عن مالك : إذا كانوا على ثلاثة أميال من المصر أو القرية فمحاربون لا دون ذلك إذ يلحقه الغوث .

وفي رواية أخرى عن مالك لا فرق بين المصر وغيره ، لأن الآية لم تفصل ، وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد والشافعي والناصر والإمام يحيى ، وإذا لم يكن قد أحدث المحارب غير الإخافة عزره الإمام فقط ، قال أبو طالب وأصحاب الشافعي : ولا نفي مع التعزير ، وأثبته المؤيد بالله ، فإن وقع منه القتل فقط فذهبت العترة والشافعي إلى أنه يقتل فقط .

وعن أبي حنيفة ليس بمحارب إن قتل بمثقل ، فإن قتل وأخذ المال فذهب الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والهادي والمؤيد بالله وأبو طالب إلى أنه يقتل ويصلب . ولا قطع لدخوله في القتل . قال الناصر وأبو العباس : بل يخير الإمام بين أن يصلب أو يقتل ، أو يقتل ثم يصلب ، أو يقطع ثم يقتل ، أو يقطع ويقتل ويصلب ، لأن أو للتخيير . وقال مالك : إذا شهروا السلاح وأخافوا لزمهم ما في الآية . وقال الحسن البصري وابن المسيب ومجاهد : إذا أخافوا خير الإمام بين أن يقتل ويصلب ، أو يقطع الرجل واليد فقط ، أو فقط لأجل التخيير . وقال أبو الطيب بن سلمة من الشافعية : وحصله صاحب الوافي للهادي أنهم إذا أخذوا المال وقتلوا ، قطعوا للمال ثم قتلوا للقتل ثم صلبوا للجمع بين الأخذ والقتل .

قال أبو حنيفة والهادوية : فإن قتل وجرح قتل فقط لدخول الجرح في القتل . وقال الشافعي : بل يجرح ثم يقتل إذ هما جنايتان ، والنفي المذكور في الآية هو طرد سنة عند الهادي والشافعي وأحمد والمؤيد بالله وأبي طالب . وقال الناصر وأبو حنيفة وأصحابه : بل الحبس فقط إذ القصد دفع أذاه . وإذا كان المحاربون جماعة واختلفت جناياتهم فذهب العترة والشافعي إلى أنه يحد كل واحد منهم بقدر جنايته . وقال أبو حنيفة : بل يستوون إذ المعين كالقاتل واختلفوا هل يقدم الصلب على القتل أو العكس ؟ فذهب الشافعي والناصر والإمام يحيى إلى أن يقدم الصلب على القتل ، إذ المعنى يقتلون بالسيف أو بالصلب .

وقال الهادي وأبو حنيفة وهو مروي عن الشافعي رحمه الله: إنه لا صلب قبل القتل لأنه مثلة ، وجعل الهادي أو بمعنى الواو ، ولذلك قال بتقدم القتل على الصلب . وقال بعض أصحاب الشافعي : يصلب قبل القتل ثلاثا ثم ينزل فيقتل . وقال بعض أصحاب الشافعي أيضا : يصلب حتى يموت جوعا وعطشا ، وقال أبو يوسف والكرخي : يصلب قبل القتل ويطعن في لبته وتحت ثديه الأيسر ويخضخض حتى يموت . وروى الرازي عن أبي بكر الكرخي أنه لا معنى للصلب بعد القتل ، واختلفوا في مقدار الصلب ، فقال الهادي : حتى تنتثر عظامه ، وقال [ ص: 186 ] ابن أبي هريرة حتى يسيل صديده ، وقال بعض أصحاب الشافعي ثلاثا في البلاد الباردة ، وفي الحارة ينزل قبل الثلاث .

وقال الناصر والشافعي : ينزل بعد الثلاث ثم يقتل إن لم يمت ويغسل ويصلى عليه إن تاب . وقد رجح صاحب البحر أن الآية للتخيير وتكون العقوبة بحسب الجنايات ، وأن التقدير أن يقتلوا إذا قتلوا ، ويصلبوا بعد القتل إذا قتلوا وأخذوا المال ، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا أخذوا فقط ، أو ينفوا من الأرض إذا أخافوا فقط ، إذ محاربة الله ورسوله بالفساد في الأرض متنوعة كذلك ، وهو مثل تفسير ابن عباس المذكور في الباب . وقال صاحب المنار : إن الآية تحتمل التخيير احتمالا مرجوحا . قال : والظاهر أن المراد حصر أنواع عقوبة المحاربة مثل { إنما الصدقات للفقراء } الآية .

قال : وهو مثل ما قاله صاحب البحر ، يعني في كلامه الذي ذكرناه قبل هذا ، ورجح صاحب ضوء النهار اختصاص أحكام المحارب بالكافر لتتم فوائد وتندفع مفاسد ثم ذكر ذلك ، وهو كلام رصين لولا أنه قصر للعام على السبب المختلف في كونه هو السبب . وللعلماء في تفصيل أحكام المحاربين أقوال منتشرة مبسوطة في كتب الخلاف ، وقد أورد منها في هذا الشرح طرفا مفيدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية