صفحة جزء
باب استحباب الوضوء لمن أراد النوم

278 - ( عن البراء بن عازب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ، ثم قل : اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت ، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة ، واجعلهن آخر ما تتكلم به قال : فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت : اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت ، قلت : ورسولك قال : لا ونبيك الذي أرسلت } . رواه أحمد والبخاري والترمذي ) .


قوله : ( فتوضأ ) ظاهره استحباب تجديد الوضوء لكل من أراد النوم ، ولو كان على طهارة ، ويحتمل أن يكون مخصوصا بمن كان محدثا . وقد روى هذا الحديث الشيخان وغيرهما من طرق عن البراء ليس فيها ذكر الوضوء إلا في هذه الرواية ، وكذا قال الترمذي وقد ورد في الباب حديث عن معاذ بن جبل أخرجه أبو داود ، وحديث عن علي أخرجه البزار ، وليس واحد منهما على شرط البخاري .

قوله : ( فأنت على الفطرة ) المراد بالفطرة هنا السنة . قوله : ( واجعلهن آخر ما تتكلم به ) في رواية الكشميهني من آخر وهي تبين أنه لا يمتنع أن يقول بعدهن شيئا من المشروع من الذكر قوله : ( لا ونبيك ) قال الخطابي : فيه حجة لمن منع رواية الحديث بالمعنى ، قال : ويحتمل أن يكون أشار بقوله : ونبيك الذي أرسلت إلى أنه كان نبيا قبل أن يكون رسولا ، ولأنه ليس في قوله : ورسولك الذي أرسلت وصف زائد بخلاف قوله : ونبيك الذي أرسلت ، وقال غيره : ليس فيه حجة على منع ذلك ; لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي ، ولا خلاف في [ ص: 269 ] المنع إذا اختلف المعنى ، فكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحا ، وإن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة ، أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ ، وتقدير الثواب ، فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ، ولو كان يرادفه في الظاهر ، أو لعله أوحي إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده ، أو ذكره احترازا ممن أرسل من غير نبوة ، كجبريل وغيره من الملائكة ; لأنهم رسل لا أنبياء ، فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس ، أو ; لأن لفظ النبي أمدح من لفظ الرسول ; لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل ، بخلاف لفظ النبي فإنه لا اشتراك فيه عرفا .

وعلى هذا فقول من قال : كل رسول نبي من غير عكس ، لا يصح إطلاقه ، قاله الحافظ . واستدل به بعضهم على أنه لا يجوز إبدال لفظ قال نبي الله مثلا في الرواية بلفظ : قال رسول الله ، وكذا عكسه . قال الحافظ : ولو أجزنا الرواية بالمعنى فلا حجة له فيه ، وكذا لا حجة فيه لمن أجاز الأول دون الثاني ، لكون الأول أخص من الثاني ; لأنا نقول الذات المخبر عنها في الرواية واحدة ، فبأي وصف وصفت تلك الذات من أوصافها اللائقة بها علم القصد بالمخبر عنه ، ولو تباينت معاني الصفات ، كما لو أبدل اسما بكنية أو كنية باسم فلا فرق وللحديث فوائد مذكورة في كتاب الدعوات من الفتح .

التالي السابق


الخدمات العلمية