صفحة جزء
باب لا يجاهد من عليه دين إلا برضا غريمه 3262 - ( عن أبي قتادة { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال ، فقام رجل فقال : يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي ؟ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف قلت ؟ قال : أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي ؟ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين ، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك } . رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه ، ولأحمد والنسائي من حديث أبي هريرة مثله ) .

3263 - ( وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك } . رواه أحمد ومسلم ) .

3264 - ( وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { القتل في سبيل الله يكفر كل [ ص: 262 ] خطيئة ، فقال جبريل : إلا الدين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إلا الدين } . رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن غريب ) .


حديث أبي هريرة رجال إسناده في سنن النسائي ثقات . وقد أشار إليه الترمذي فقال بعد إخراجه لحديث أبي قتادة .

وفي الباب عن أنس ومحمد بن جحش وأبي هريرة . ا هـ . قوله : ( أفضل الأعمال ) فيه دليل على أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل من غيرهما من أعمال الخير وهو يعارض في الظاهر ما تقدم في الباب الأول ، ويتوجه الجمع بما سلف . قوله : ( نعم ) فيه دليل على أن الجهاد بشرط أن يكون في سبيل الله مع الاحتساب وعدم الانهزام من مكفرات جميع الذنوب والخطايا ، فيكون الشهيد بالشهادة مستحقا للمغفرة العامة إلا ما كان من الديون اللازمة للآدميين فإنها لا تغفر للشهيد ولا تسقط عنه بمجرد الشهادة وذلك لكونه حقا لآدمي ، وسقوطه إنما يكون برضاه واختياره ، ولهذا امتنع صلى الله عليه وسلم من الصلاة على من عليه دين كما تقدم في الضمانة . ويلحق بالدين ما كان حقا لآدمي من دم أو عرض بجامع أن كل واحد حق لآدمي يتوقف سقوطه على إسقاطه .

قوله : ( فإن جبريل قال لي ذلك ) لعل الجواب منه صلى الله عليه وسلم بقوله نعم من غير استثناء كان بالاجتهاد ، ثم لما أخبره جبريل بما أخبر استعاد النبي صلى الله عليه وسلم من السائل سؤاله ، ثم أخبره بأن استثناء الدين ليس هو من جهته وإنما هو بأمر الله له بذلك . وقد استدل بأحاديث الباب على أنه لا يجوز لمن عليه دين أن يخرج إلى الجهاد إلا بإذن من له الدين لأنه حق لآدمي والجهاد حق لله تعالى ، وينبغي أن يلحق بذلك سائر حقوق الآدميين كما تقدم لعدم الفرق بين حق وحق . ووجه الاستدلال بأحاديث الباب على عدم جواز خروج المديون إلى الجهاد بغير إذن غريمه أن الدين يمنع من فائدة الشهادة وهي المغفرة العامة وذلك يبطل ثمرة الجهاد . ا هـ .

وقد أشار صاحب البحر إلى مثل ذلك ، فقال : ومن عليه دين حال لم يخرج إلا بإذن الغريم لقوله صلى الله عليه وسلم : " نعم إلا الدين " الخبر ، فإذا منع الشهادة بطلب ثمرة الجهاد . ولا يخفى أن بقاء الدين في ذمة الشهيد لا يمنع من الشهادة ، بل هو شهيد مغفور له كل ذنب إلا الدين ، وغفران ذنب واحد يصح جعله ثمرة للجهاد فكيف بمغفرة جميع الذنوب إلا واحدا منها ، فالقول بأن ثمرة الشهادة مغفرة جميع الذنوب ممنوع ، كما أن القول بأن عدم غفران ذنب واحد يمنع من الشهادة ويبطل ثمرة الجهاد ممنوع أيضا .

وغاية ما اشتملت عليه أحاديث الباب هو أن الشهيد يغفر له جميع ذنوبه إلا ذنب الدين ، وذلك لا يستلزم عدم جواز الخروج إلى الجهاد إلا بإذن من له الدين ، بل إن أحب المجاهد أن يكون جهاده سببا لمغفرة كل ذنب استأذن صاحب الدين في الخروج ، وإن رضي بأن يبقى عليه ذنب واحد منها جاز له الخروج بدون استئذان وهذا إذا كان الدين حالا . [ ص: 263 ] وأما إذا كان مؤجلا ففي ذلك وجهان . قال الإمام يحيى : أصحهما يعتبر الإذن أيضا إذ الدين مانع للشهادة . وقيل لا كالخروج للتجارة ، قال في البحر : ويصح الرجوع عن الإذن قبل التحام القتال ، إذا لحقه لا بعده لما فيه من الوهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية