صفحة جزء
باب ما جاء في الاستعانة بالمشركين 3265 - ( عن عائشة قالت : { خرج النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ، ففرح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه ، فلما أدركه قال : جئت لأتبعك وأصيب معك ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : تؤمن بالله ورسوله ؟ قال : لا ، قال : فارجع فلن أستعين بمشرك ، قالت : ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل ، فقال له كما قال أول مرة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة ، فقال : لا ، قال : فارجع فلن أستعين بمشرك ، قال : ثم رجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة : تؤمن بالله ورسوله ؟ قال : نعم ، فقال له : فانطلق } . رواه أحمد ومسلم ) .

3266 - ( وعن خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزوا أنا ورجل من قومي ولم نسلم ، فقلنا : إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم ، فقال : أسلمتما ؟ فقلنا : لا ، فقال : إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين ، فأسلمنا وشهدنا معه } . رواه أحمد ) .

3267 - ( وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تستضيئوا بنار المشركين ، ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا } . رواه أحمد والنسائي ) .

3268 - ( وعن ذي مخبر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ستصالحون الروم صلحا تغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم } . رواه أحمد وأبو داود ) .

3269 - ( وعن الزهري { أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في خيبر في حربه فأسهم لهم } . رواه أبو داود في مراسيله ) .


[ ص: 264 ] حديث خبيب بن عبد الرحمن أخرجه الشافعي والبيهقي . وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد : أخرجه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات .

وحديث أنس في إسناده عند النسائي أزهر بن راشد وهو ضعيف وبقية رجال إسناده ثقات ، وحديث ذي مخبر أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري ، ورجال إسناد أبي داود رجال الصحيح .

وحديث الزهري أخرجه أيضا الترمذي مرسلا ، والزهري مراسيله ضعيفة . ورواه الشافعي فقال : أخبرنا يوسف ، حدثنا حسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : " استعان النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله ، وقال : ولم يسهم لهم " . قال البيهقي : لم أجده إلا من طريق الحسن بن عمارة وهو ضعيف . والصحيح ما أخبرنا الحافظ أبو عبد الله فساق بسنده إلى أبي حميد الساعدي قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خلف ثنية الوداع إذا كتيبة ، قال : من هؤلاء ؟ قالوا : بنو قينقاع رهط عبد الله بن سلام ، قال : أو تسلموا ؟ قالوا : لا ، فأمرهم أن يرجعوا . وقال : إنا لا نستعين بالمشركين ، فأسلموا } . وحديث عائشة فيه دليل على أنها لا تجوز الاستعانة بالكافر ، وكذلك حديث خبيب بن عبد الرحمن ، ويعارضهما في الظاهر حديث ذي مخبر وحديث الأزهري المذكوران .

وقد جمع بأوجه منها ما ذكره البيهقي عن نص الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم تفرس الرغبة في الذين ردهم فردهم رجاء أن يسلموا فصدق الله ظنه " .

وفيه نظر لأن قوله : " لا أستعين بمشرك " نكرة في سياق النفي تفيد العموم . ومنها أن الأمر في ذلك إلى رأي الإمام ، وفيه النظر المذكور بعينه . ومنها أن الاستعانة كانت ممنوعة ثم رخص فيها ، قال الحافظ في التلخيص : وهذا أقربها ، وعليه نص الشافعي ، وإلى عدم جواز الاستعانة بالمشركين ذهب جماعة من العلماء ، وهو مروي عن الشافعي .

وحكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أنها تجوز الاستعانة بالكفار والفساق حيث يستقيمون على أوامره ونواهيه . واستدلوا باستعانته صلى الله عليه وسلم بناس من اليهود كما تقدم ، وباستعانته صلى الله عليه وسلم بصفوان بن أمية يوم حنين ، وبإخباره صلى الله عليه وسلم بأنها ستقع من المسلمين مصالحة الروم ، ويغزون جميعا عدوا من وراء المسلمين .

قال في البحر : وتجوز الاستعانة بالمنافق إجماعا لاستعانته صلى الله عليه وسلم بابن أبي وأصحابه . وتجوز الاستعانة بالفساق على الكفار إجماعا وعلى البغاة عندنا لاستعانة علي عليه السلام بالأشعث ، انتهى . وقد روي عن الشافعي المنع من الاستعانة بالكفار على المسلمين ، لأن في ذلك جعل سبيل للكافر على المسلم ، وقد قال تعالى : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وأجيب بأن السبيل وهو اليد ، وهي للإمام الذي استعان بالكافر ، وشرط بعض أهل العلم ومنهم الهادوية أنها لا تجوز الاستعانة بالكفار والفساق إلا حيث مع الإمام جماعة من المسلمين يستقل بهم في [ ص: 265 ] إمضاء الأحكام الشرعية على الذين استعان بهم ليكونوا مغلوبين لا غالبين كما كان عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين يخرجون مع النبي صلى الله عليه وسلم للقتال وهم كذلك . ومما يدل على جواز الاستعانة بالمشركين { أن قزمان خرج مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال صلى الله عليه وسلم : إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر } كما ثبت ذلك عند أهل السير .

وخرجت خزاعة مع النبي صلى الله عليه وسلم على قريش عام الفتح . والحاصل أن الظاهر من الأدلة عدم جواز الاستعانة بمن كان مشركا مطلقا لما في قوله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بالمشركين " من العموم ، وكذلك قوله : " أنا لا أستعين بمشرك " ولا يصلح مرسل الزهري لمعارضة ذلك لما تقدم من أن مراسيل الزهري ضعيفة ، والمسند فيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف ، ويؤيد هذا قوله تعالى: { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وقد أخرج الشيخان عن البراء قال : { جاء رجل مقنع بالحديد فقال : يا رسول الله أقاتل أو أسلم ؟ قال : أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل ، فقال صلى الله عليه وسلم : عمل قليلا وأجر كثيرا } وأما استعانته صلى الله عليه وسلم بابن أبي فليس ذلك إلا لإظهاره الإسلام .

وأما مقاتلة قزمان مع المسلمين فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أذن له بذلك في ابتداء الأمر ، وغاية ما فيه أنه يجوز للإمام السكوت عن كافر قاتل مع المسلمين . قوله : ( بحرة الوبرة ) الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء ، والوبرة بفتح الواو والباء الموحدة بعدها راء وبسكون الموحدة أيضا : موضع على أربعة أميال من المدينة . قوله : ( بالشجرة ) اسم موضع ، وكذلك البيداء . قوله : ( ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا ) بفتح العين المهملة والراء وبعدها موحدة . قال في القاموس في مادة عرب : " ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا " أي لا تنقشوا محمد رسول الله ، كأنه قال : نبيا عربيا ، يعني نفسه صلى الله عليه وسلم انتهى . نهى صلى الله عليه وسلم أن ينقشوا على خواتيمهم مثل ما كان ينقش على خاتمه وهو محمد رسول الله لأنه كان علامة له في ذلك الوقت يختم به كتبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية