صفحة جزء
باب ما جاء في مشاورة الإمام الجيش ونصحه لهم ورفقه بهم وأخذهم بما عليهم 3270 - ( عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان ، فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ، ثم تكلم عمر فأعرض عنه ، فقام سعد بن عبادة فقال : إيانا تريد يا [ ص: 266 ] رسول الله ، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها ، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا ، قال : فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانطلقوا } . رواه أحمد ومسلم ) .

3271 - ( وعن أبي هريرة قال : { ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، رواه أحمد والشافعي ) .


قوله : ( حين بلغه إقبال أبي سفيان ) هذا الأمر كان في غزوة بدر ، وقد اقتصر المصنف ههنا على أول الحديث لكونه محل الحاجة . وتمامه { فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه ، فيقول لهم : ما لي علم بأبي سفيان ، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس ، فإذا قال ذلك ضربوه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فلما رأى ذلك انصرف فقال : والذي نفسي بيده إنكم لتضربونه إذا صدقكم وتتركونه إذا كذبكم ، ثم قال : هذا مصرع فلان ويضع يده على الأرض ههنا وههنا ، قال : فوالله ما ماط أحد منهم عن موضعه } .

قوله : ( أن نخيضها ) أي الخيل وهو بالخاء المعجمة بعدها مثناة تحتية ثم ضاد معجمة . قال في القاموس : خاض الماء يخوضه خوضا وخياضا : دخله كخوضه واختاضه ، وبالفرس أورده كأخاضه . قوله : ( برك ) بكسر الباء الموحدة وفتحها مع سكون الراء ، والغماد بغين معجمة مثلثة كما في القاموس وهو موضع في ساحل البحر بينه وبين جدة عشرة أميال : وهو البندر القديم . وحكى صاحب القاموس عن ابن عليم في الباهر أنه أقصى معمور الأرض . قوله : ( ما رأيت أحدا قط . . . إلخ ) فيه دليل على أنه يشرع للإمام أن يستكثر من استشارة أصحابه الموثوق بهم دينا وعقلا . وقد ذهبت الهادوية إلى وجوب استشارة الإمام لأهل الفضل ، واستدلوا بظاهر قوله تعالى: { وشاورهم في الأمر } وقيل : إن الأمر في الآية للندب إيناسا لهم وتطييبا لخواطرهم . وأجيب بأن ذلك نوع من التعظيم وهو واجب ، والاستدلال بالآية على الوجوب إنما يتم بعد تسليم أنها غير خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو بعد تسليم أن الخطاب الخاص به يعم الأمة أو الأئمة ، وذلك مختلف فيه عند أهل الأصول

التالي السابق


الخدمات العلمية