صفحة جزء
باب ما يفعله الإمام إذا أراد الغزو من كتمان حاله والتطلع على حال عدوه 3286 - ( عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان { إذا أراد غزوة ورى بغيرها } . متفق عليه ، وهو لأبي داود ، وزاد { والحرب خدعة } ) .

3287 - ( وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الحرب خدعة } ) . [ ص: 276 ]

3288 - ( وعن أبي هريرة قال : { سمى النبي صلى الله عليه وسلم : الحرب خدعة } ) .

3289 - ( وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من يأتيني بخبر القوم ؟ يوم الأحزاب ، فقال الزبير : أنا ، ثم قال : من يأتيني بخبر القوم ؟ قال الزبير : أنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لكل نبي حواري وحواري الزبير } . متفق عليهن ) .

3290 - ( وعن أنس قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبسا عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان . فحدثه الحديث ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فقال : إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا فجعل رجال يستأذنونه في ظهرهم في علو المدينة ، فقال : لا ، إلا من كان ظهره حاضرا ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا ركب المشركين إلى بدر } . رواه أحمد ومسلم )


قوله : ( ورى ) أي ستر ويستعمل في إظهار شيء مع إرادة غيره . وأصله من الوري بفتح الواو وسكون الراء : هو ما يجعل وراء الإنسان ، لأن من ورى بشيء جعله وراءه . وقيل : هو في الحرب أخذ العدو على غرة . وقيد السيرافي في شرح كتاب سيبويه بالهمزة . قال : وأصحاب الحديث لم يضبطوا فيه الهمزة فكأنهم سهلوها . قوله : ( خدعة ) بفتح الخاء المعجمة وضمها مع سكون الدال المهملة وبضم أوله وفتح ثانيه . قال النووي : اتفقوا على أن الأولى أفصح ، وبذلك جزم أبو ذر الهروي والقزاز ، والثانية ضبطت كذلك في رواية الأصيلي ورجح ثعلب الأولى وقال : بلغنا بها النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أبو بكر بن طلحة : أراد ثعلب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل هذه البنية كثيرا لوجازة لفظها ولكونها تعطي معنى البنيتين الآخرتين .

قال : ويعطي معناهما أيضا الأمر باستعمال الحيلة مهما أمكن ولو مرة ، قال : فكانت مع اختصارها كثيرة المعنى . ومعنى خدعة بالإسكان : أنها تخدع أهلها من وصف الفاعل باسم المصدر أو من وصف المفعول كما يقال : هذا الدرهم ضرب الأمير : أي مضروبه . وقال الخطابي : معناه أنها مرة واحدة : أي إذا خدع مرة واحدة لم تقل عثرته . وقيل الحكمة في الإتيان بالتاء للدلالة على الوحدة ، فإن الخداع إن كان من المسلمين فكأنه حضهم على ذلك ولو مرة واحدة ، وإن كان من الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ، ولو وقع مرة واحدة فلا ينبغي التهاون بهم لما ينشأ عنه من المفسدة ولو قل ، وفي اللغة الثالثة صيغة المبالغة كهمزة ولمزة . وحكى المنذري [ ص: 277 ] لغة رابعة بالفتح فيهما . قال : وهو جمع خادع : أي أن أهلها بهذه الصفة فكأنه قال : أهل الحرب خدعة . وحكى مكي ومحمد بن عبد الله الواحد لغة خامسة : كسر أوله مع الإسكان ، وأصله إظهار أمر وإضمار خلافه

وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار ، وأن من يتيقظ لم يأمن أن ينعكس الأمر . قال النووي : واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيف ما أمكن ، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز . قال ابن العربي : الخداع في الحرب يقع بالتعرض وبالكمين ونحو ذلك .

وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة . قال ابن المنير : معنى " الحرب خدعة " : أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة وذلك لخطر المواجهة ولحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر .

قوله : ( بسبسا ) بضم الباء الموحدة الأولى وبعدها سين مهملة ساكنة وبعدها باء موحدة مفتوحة ثم سين مهملة وهو ابن عمرو ويقال ابن بشر .

وفي سنن أبي داود بسبسة بزيادة تاء التأنيث . وقيل فيه أيضا بسيسة بالباء الموحدة مضمومة في أوله وفتح السين المهملة ثم ياء مثناة تحتية ساكنة . قوله : ( فقال : إن لنا طلبة ) بكسر اللام كما في القاموس ، وفي النهاية : الطلبة : الحاجة ، هذا فيه إبهام للمقصود وقد أورده المصنف للاستدلال به على أن الإمام يكتم أمره كما وقع في الترجمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية