صفحة جزء
باب ترتيب السرايا والجيوش واتخاذ الرايات وألوانها 3291 - ( عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { خير الصحابة أربعة ، وخير السرايا أربعمائة ، وخير الجيوش أربعة آلاف ، ولا تغلب اثنا عشر ألفا من قلة } . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال : حديث حسن . وذكر أنه في أكثر الروايات عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، وتمسك به من ذهب إلى أن الجيش إذا كان اثني عشر ألفا لم يجز أن يفر من أمثاله وأضعافه وإن كثروا ) .

3292 - ( وعن ابن عباس قال : { كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض } . رواه الترمذي وابن ماجه ) .

[ ص: 278 ] وعن سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم قال : { رأيت راية النبي صلى الله عليه وسلم صفراء } . رواه أبو داود ) .

3294 - ( وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم { دخل مكة ولواؤه أبيض } . رواه الخمسة إلا أحمد ) .

3295 - ( وعن الحارث بن حسان البكري قال : { قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وبلال قائم بين يديه متقلد بالسيف ، وإذا رايات سود ، فسألت : ما هذه الرايات ؟ فقالوا : عمرو بن العاص قدم من غزاة } . رواه أحمد وابن ماجه ، وفي لفظ : { قدمت المدينة فدخلت المسجد فإذا هو غاص بالناس ، وإذا رايات سود ، وإذا بلال متقلد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : ما شأن الناس ؟ قالوا : يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها } . رواه الترمذي ) .

3296 - ( وعن البراء بن عازب { أنه سئل عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت ؟ قال : كانت سوداء مربعة من نمرة } . رواه أحمد وأبو داود والترمذي ) .


حديث ابن عباس الأول سكت عنه أبو داود ، واقتصر المنذري في مختصر السنن على نقل كلام الترمذي ، وأخرجه أيضا الحاكم . وقال : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وحديث ابن عباس الثاني أخرج نحوه أبو داود والنسائي .

وفي إسناد حديث الباب يزيد بن حبان أخو مقاتل بن حبان . قال البخاري : عنده غلط كثير . وأخرج البخاري هذا الحديث في تاريخه مقتصرا على الراية .

وحديث سماك في إسناده رجل مجهول ، وهو الذي روى عنه سماك ، ومجهول آخر وهو الذي قال : رأيت راية النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن جهالة الرجل الآخر غير قادحة إن كان صحابيا لما قررنا غير مرة أن مجهول الصحابة مقبول ، وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه صحابي ، لأنه يمكن أنه رأى راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته ، ولم تثبت رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم .

وحديث جابر أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان . وقال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم [ ص: 279 ] عن شريك . قال : وسألت محمدا ، يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك .

وحديث الحارث بن حسان رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحارث بن حسان فذكره ، وهؤلاء رجال الصحيح . وهذا الحديث إنما أشار إليه الترمذي في كتاب الجهاد إشارة لأنه قال بعد إخراج حديث البراء المذكور ما لفظه : وفي الباب عن علي والحارث بن حسان وابن عباس ، ولم يذكر اللفظ الذي ذكره المصنف ونسبه إليه ، ولعله ذكره في موضع آخر من جامعه .

وحديث البراء قال الترمذي بعد إخراجه : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة انتهى . وفي إسناده أبو يعقوب الثقفي ، واسمه إسحاق بن إبراهيم . قال ابن عدي الجرجاني : روى عن الثقات ما لا يتابع عليه . وقال أيضا : وأحاديثه غير محفوظة ، انتهى .

وفي الباب عن سلمة في الصحيحين : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فأعطاها عليا } وعن يزيد بن جابر الغفري عند ابن السكن قال : { عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم رايات الأنصار وجعلهن صفرا } وعن أنس عند النسائي { أن ابن أم مكتوم كانت معه راية سوداء في بعض مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم } قال المنذري : وهو حديث حسن . وقال ابن القطان : صحيح . وعن أبي هريرة عند ابن عدي ، وعن بريدة عند أبي يعلى ، وعن أنس حديث آخر عند أبي يعلى رفعه : { أن الله أكرم أمتي بالألوية } وإسناده ضعيف . وعن ابن عباس غير ما تقدم عند أبي الشيخ بلفظ { كان مكتوبا على راية النبي صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله محمد رسول الله } وسنده ضعيف أيضا . قوله : ( خير الصحابة أربعة ) فيه دليل على أن خير الصحابة أربعة أنفار ، وظاهره أن ما دون الأربعة من الصحابة موجود فيها أصل الخير من غير فرق بين السفر والحضر .

ولكنه قد أخرج أهل السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : { الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب } وصححه الحاكم وابن خزيمة . وأخرجه أيضا الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه ، وظاهره أن ما دون الثلاثة عصاة : لأن معنى قوله : شيطان : أي عاص . وقال الطبري هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة ، وليس بحرام فالسائر وحده في فلاة ، وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف .

والحق أن الناس يتباينون في ذلك ، فيحتمل أن يكون الزجر عنه لحسم المادة فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك . وقيل في تفسير قوله : " الراكب شيطان : أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان ، أو أشبه الشيطان في فعله . وقيل : إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه ، وكذلك [ ص: 280 ] الاثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد الآخر من يعينه ، بخلاف الثلاثة ففي الغالب تؤمن الوحشة والخشية .

وفي صحيح البخاري عن ابن عمر : { لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده } . وقد ثبت في الصحيح { أن الزبير انتدب وحده ليأتي النبي بخبر بني قريظة } . قال ابن المنير : السير لمصلحة الحرب أخص من السفر ، فيجوز السفر للمنفرد للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالإفراد ، كإرسال الجاسوس والطليعة ، والكراهة لما عدا ذلك ، ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن ، وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة .

وقد وقع في كتب المغازي بعث جماعة منفردين منهم : حذيفة ونعيم بن مسعود وعبد الله بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو بن أمية وسالم بن عمير وبسبسة وغيرهم ، وعلى هذا فوجود أهل الخير في سائر الأسفار غير سفر الحرب ونحوه إنما هو في الثلاثة دون الواحدة والاثنين ، والأربعة خير من الثلاثة كما يدل على ذلك حديث الباب

قوله : ( وخير الجيوش أربعة آلاف ) ظاهر هذا أن هذا الجيش خير من غيره من الجيوش سواء كان أقل منه أو أكثر ، ولكن الأكثر إذا بلغ إلى اثني عشر ألفا لم يغلب من قلة ، وليس بخير من أربعة آلاف وإن كانت تغلب من قلة كما دل على ذلك مفهوم العدد . قوله : ( راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض ) اللواء بكسر اللام والمد هو الراية ويسمى أيضا العلم ، وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه ، كذا في الفتح . وقال أبو بكر بن العربي : اللواء غير الراية ، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه ، والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح . وقيل : اللواء دون الراية . وقيل اللواء : العلم الضخم والعلم : علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار ، والراية يتولاها صاحب الحرب ، وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم الألوية وأورد حديث جابر المتقدم ثم ترجم الرايات وأورد حديث البراء المتقدم أيضا . قوله : ( من نمرة ) هي ثوب حبرة . قال في القاموس : النمرة بالضم النكتة من أي لون كان والأنمر : ما فيه نمرة بيضاء وأخرى سوداء ، ثم قال : والنمرة : الحبرة ، وشملة فيها خطوط بيض وسود ، أو بردة من صوف يلبسها الأعراب انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية