صفحة جزء
باب الكف عن قصد النساء والصبيان والرهبان والشيخ الفاني بالقتل 3321 - ( عن ابن عمر قال : { وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان } . رواه الجماعة إلا النسائي ) .

3322 - ( وعن رياح بن ربيع : { أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد ، فمر رياح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة ، فوقفوا ينظرون إليها ، يعني وهم يتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته فأفرجوا عنها ، فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما كانت هذه لتقاتل فقال لأحدهم : الحق خالدا فقل له : لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا } . رواه أحمد وأبو داود ) .

3323 - ( وعن أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : انطلقوا باسم الله وبالله ، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا صغيرا ، ولا امرأة ، ولا تغلوا ، [ ص: 291 ] وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } . رواه أبو داود ) .

3324 - ( وعن ابن عباس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال : اخرجوا باسم الله تعالى ، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله ، لا تغدروا ، ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا الولدان ، ولا أصحاب الصوامع } ) .

3325 - ( وعن ابن كعب بن مالك عن عمه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث إلى ابن أبي الحقيق بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان } ) .

3326 - ( وعن الأسود بن سريع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تقتلوا الذرية في الحرب ، فقالوا : يا رسول الله أوليس هم أولاد المشركين ؟ ، قال : أوليس خياركم أولاد المشركين } . رواهن أحمد ) .


حديث رياح بكسر الراء المهملة وبعدها تحتانية هكذا في الفتح . وقال المنذري : بالباء الموحدة ، ويقال بالياء التحتانية ، ورجح البخاري أنه بالموحدة . أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي ، واختلف فيه على المرقع بن صيفي فقيل عن جده رياح ، وقيل عن حنظلة بن الربيع ، وذكر البخاري وأبو حاتم أن الأول أصح .

وحديث أنس في إسناده خالد بن الفزر ليس بذاك ، والفزر بكسر الفاء وسكون الزاي وبعدها راء مهملة .

وحديث ابن عباس في إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف ووثقه أحمد .

وحديث ابن كعب بن مالك أخرجه أيضا الإسماعيلي في مستخرجه . وأخرجه أبو داود وابن حبان من حديث الزهري مرسلا كما تقدم . وقال في مجمع الزوائد : رجال أحمد رجال الصحيح .

وحديث الأسود بن سريع قال في مجمع الزوائد أيضا : ورجال أحمد رجال الصحيح .

وفي الباب عن علي عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس المذكور ، وعن جرير عند ابن أبي حاتم في العلل ، وعن سمرة عند أحمد والترمذي وصححه بلفظ : { اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم } وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان ، وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي فلا يجوز ذلك عندهما بحال من الأحوال ، حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم . وذهب الشافعي والكوفيون إلى الجمع بين الأحاديث المذكورة فقالوا : إذا قاتلت المرأة جاز قتلها . وقال ابن حبيب من المالكية : [ ص: 292 ] لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت إلا إن باشرت القتل أو قصدت إليه . ويدل على هذا ما رواه أبو داود في المراسيل عن عكرمة { أن النبي صلى الله عليه وسلم : مر بامرأة مقتولة يوم حنين فقال : من قتل هذه ؟ فقال رجل : أنا يا رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي فلما رأت الهزيمة فينا أهوت إلى قائم سيفي لتقتلني فقتلتها ، فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم } ووصله الطبراني في الكبير ، وفيه حجاج بن أرطاة ، وأرسله ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن يحيى الأنصاري . ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد إلى قتل النساء والولدان .

أما النساء فلضعفهن ، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفار ، ولما في استبقائهم جميعا من الانتفاع إما بالرق أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادى به . قال في الفتح : وقد حكى الحازمي قولا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب ، وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي وهو غريب . قوله : ( ولا عسيفا ) بمهملتين وفاء كأجير وزنا ومعنى ، وفيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان مع القوم أجيرا ونحوه لأنه من المستضعفين . قوله : ( لا تقتلوا شيخا فانيا ) ظاهره أنه لا يجوز قتل شيوخ المشركين ، ويعارضه حديث { اقتلوا شيوخ المشركين } الذي ذكرناه .

وقد جمع بين الحديثين بأن الشيخ المنهي عن قتله في الحديث الأول هو الفاني الذي لم يبق فيه نفع للكفار ولا مضرة على المسلمين ، وقد وقع التصريح بهذا الوصف بقوله : " شيخا فانيا " والشيخ المأمور بقتله في الحديث الثاني هو من بقي فيه نفع للكفار ولو بالرأي كما في دريد بن الصمة { فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من حنين بعث أبا عامر على جيش أوطاس فلقي دريد بن الصمة وقد كان نيف على المائة وقد أحضروه ليدبر لهم الحرب ، فقتله أبو عامر ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه } كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى والقصة معروفة .

قال أحمد بن حنبل في تعليل أمره صلى الله عليه وسلم بقتل الشيوخ : إن الشيخ لا يكاد يسلم والصغير أقرب إلى الإسلام . قوله : ( ولا تغلوا ) سيأتي الكلام على تحريم الغلول والغدر والمثلة . قوله : ( وضموا غنائمكم ) أي اجمعوها . قوله : ( ولا أصحاب الصوامع ) فيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان متخليا للعبادة من الكفار كالرهبان لإعراضه عن ضر المسلمين . والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم لكنه معتضد بالقياس على الصبيان والنساء بجامع عدم النفع والضرر وهو المناط ، ولهذا لم ينكر صلى الله عليه وسلم على قاتل المرأة التي أرادت قتله ، ويقاس على المنصوص عليهم بذلك الجامع من كان مقعدا أو أعمى أو نحوهما ممن كان لا يرجى نفعه ولا ضره على الدوام .

التالي السابق


الخدمات العلمية