صفحة جزء
باب الكف عن المثلة والتحريق وقطع الشجر وهدم العمران إلا لحاجة ومصلحة [ ص: 293 ] ( عن صفوان بن عسال قال : { بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فقال : سيروا باسم الله وفي سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، ولا تمثلوا ، ولا تغدروا ، ولا تقتلوا وليدا } . رواه أحمد وابن ماجه ) .

3328 - ( وعن أبي هريرة قال : { بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال : إن وجدتم فلانا وفلانا لرجلين فأحرقوهما بالنار ، ثم قال حين أردنا الخروج : إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا ، وإن النار لا يعذب بها إلا الله ، فإن وجدتموهما فاقتلوهما } . رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وصححه ) .

3329 - ( وعن يحيى بن سعيد أن أبا بكر بعث جيوشا إلى الشام ، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان ، وكان يزيد أمير ربع من تلك الأرباع ، فقال : إني موصيك بعشر خلال : لا تقتل امرأة ، ولا صبيا ، ولا كبيرا هرما ، ولا تقطع شجرا مثمرا ، ولا تخرب عامرا ، ولا تعقرن شاة ، ولا بعيرا إلا لمأكلة ، ولا تعقرن نخلا ولا تحرقه ولا تغلل ، ولا تجبن . رواه مالك في الموطإ عنه ) .


حديث صفوان بن عسال قال ابن ماجه : حدثنا الحسن بن علي الخلال ، حدثنا أبو أسامة قال : حدثني عطية بن الحارث بن روق الهمداني قال : حدثني أبو العريف عبد الله بن خليفة عن صفوان فذكره ، وعطية صدوق وعبد الله بن خليفة ثقة وأخرجه أيضا النسائي . وهذا الحديث هو مثل حديث ابن عباس المتقدم في الباب الأول ، وجميع ما اشتمل عليه قد تقدم أيضا في حديث بريدة المتقدم في باب الدعوة قبل القتال . وأثر يحيى بن سعيد المذكور مرسل لأنه لم يدرك زمن أبي بكر . ورواه البيهقي من حديث يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب . ورواه سيف في الفتوح عن الحسن بن أبي الحسن مرسلا . قوله : ( ولا تمثلوا ) فيه دليل على تحريم المثلة ، وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة قد سبق في هذا المشروح وشرحه بعض منها . قوله : ( بعثنا رسول الله ) [ ص: 294 ] صلى الله عليه وسلم إلخ زاد الترمذي { إن هذين الرجلين من قريش } .

وفي رواية لأبي داود : { إن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار } هكذا بالإفراد .

وروي في فوائد علي بن حرب عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح أن اسمه هبار بن الأسود . ووقع في رواية ابن إسحاق { إن وجدتم هبار بن الأسود والرجل الذي سبق منه إلى زينب ما سبق فحرقوهما بالنار } يعني زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها أبو العاص بن الربيع لما أسره الصحابة ثم أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة شرط عليه أن يجهز إليه ابنته زينب فجهزها ، فتبعها هبار بن الأسود ورفيقه فنخسا بعيرها فأسقطت ومرضت من ذلك ، والقصة مشهورة عن ابن إسحاق وغيره . وقال في روايته : { وكانا نخسا بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجت من مكة } . وقد أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح " أن هبار بن الأسود أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء في خدرها فأسقطت ، { فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقال : إن وجدتموه فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أشعلوا فيه النار ، ثم قال : لا نستحي من الله لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله } الحديث ، فكأن إفراد هبار بالذكر في الرواية السابقة لكونه كان الأصل في ذلك والآخر كان تبعا له وسمى ابن السكن في روايته من طريق ابن إسحاق الرجل الآخر نافع بن عبد قيس ، وبه جزم ابن هشام في رواية السيرة عنه . وحكى السهيلي عن مسند البزار أنه خالد بن عبد قيس فلعله تصحف عليه ، وإنما هو نافع كذلك هو في النسخ المعتمدة من مسند البزار ، وكذلك أورده ابن السكن أولا من مسند البزار . وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه من طريق ابن لهيعة كذلك . قال الحافظ : وقد أسلم هبار هذا . ففي رواية ابن أبي نجيح المذكورة : " فلم تصبه السرية وأصابه الإسلام فهاجر ، فذكر قصة إسلامه " وله حديث عند الطبراني وآخر عند ابن منده ، وعاش إلى أيام معاوية وهو بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة . قال الحافظ أيضا : ولم أقف لرفيقه على ذكر في الصحابة فلعله مات قبل أن يسلم .

قوله : ( وإن النار لا يعذب بها إلا الله ) هو خبر بمعنى النهي . وقد اختلف السلف في التحريق ، فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما . مطلقا سواء كان في سبب كفر أو في حال مقاتل أو في قصاص وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما قال المهلب : ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع ، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة . { وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد } كما تقدم . وقد أحرق أبو بكر بالنار في حضر الصحابة . وحرق خالد بن الوليد ناسا من أهل الردة . وكذلك حرق علي كما تقدم في كتاب الحدود . قوله : ( ولا تعقرن ) بالعين المهملة والقاف والراء في كثير من النسخ وفي نسخ " ولا تعزقن " بالعين المهملة والزاي المكسورة والقاف ونون التوكيد . قال في النهاية : هو القطع

وظاهر النهي في حديث الباب التحريم ، وهو نسخ للأمر المتقدم سواء كان بوحي إليه أو اجتهاد ، وهو [ ص: 295 ] محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه

3330 - ( وعن جرير بن عبد الله قال : { قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تريحني من ذي الخلصة ؟ ، قال : فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس ، وكانوا أصحاب خيل ، وكان ذو الخلصة بيتا في اليمن لخثعم وبجيلة فيه نصب يعبد يقال له كعبة اليمانية ، قال : فأتاها فحرقها بالنار وكسرها ، ثم بعث رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره بذلك ، فلما أتاه قال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب ، قال : فبرك النبي صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات } . متفق عليه ) .

3331 - ( وعن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق . ولها يقول حسان :

وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير

وفي ذلك نزلت : {
ما قطعتم من لينة أو تركتموها } الآية
} ، متفق عليه ، ولم يذكر أحمد الشعر ) .

3332 - ( وعن أسامة بن زيد قال : { بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قرية يقال لها أبنى ، فقال : ائتها صباحا ثم حرق } . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وفي إسناد صالح بن أبي الأخضر ، قال البخاري : هو لين ) . حديث أسامة بن زيد سكت عنه أبو داود والمنذري .

وفي إسناده من ذكره المصنف . وقال يحيى بن معين : وهو ضعيف . وقال أحمد : يعتبر به . وقال العجلي : يكتب حديثه وليس بالقوي . وقال في التقريب : ضعيف .

قوله : ( ذي الخلصة ) بفتح المعجمة واللام والمهملة . وحكي بتسكين اللام ، قال في القاموس : وذو الخلصة محركة وبضمتين : بيت كان يدعى الكعبة اليمانية لخثعم كان فيه صنم اسمه الخلصة ، أو لأنه كان منبت الخلصة ، ا هـ . وهي نبات له حب أحمر . قوله : ( من أحمس ) بالمهملتين على وزن أحمد ، قال في القاموس : الحمس الأمكنة الصلبة جمع أحمس ، وبه لقب قريش وكنانة وجديلة ومن [ ص: 296 ] تابعهم في الجاهلية لتحمسهم في دينهم أو لالتجائهم بالحمساء وهي الكعبة ، لأن حجرها أبيض إلى السواد ، والحماسة : الشجاعة ، والأحمس : الشجاع كالحميس كذا في القاموس .

وفي الفتح : هم رهط ينسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار . قال : وفي العرب قبيلة أخرى يقال لها أحمس ليست مرادة هنا ينسبون إلى أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار . قوله : ( نصب ) بضم النون والصاد أي صنم .

قوله : ( كعبة اليمانية ) أي كعبة الجهة اليمانية . قوله : ( فبرك ) بفتح الموحدة وتشديد الراء : أي دعا لهم بالبركة . قوله : ( كأنها جمل أجرب ) بالجيم والموحدة ، وهو كناية عن نزع زينتها وإذهاب بهجتها . وقال الحافظ : أحسب المراد أنها صارت مثل الجمل المطلي بالقطران من جربه ، أشار إلى أنها صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق .

قوله : ( سراة ) بفتح المهملة وتخفيف الراء جمع سري وهو الرئيس . قوله : ( بني لؤي ) بضم اللام وفتح الهمزة ، وهو أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم ، وبنوه قريش ، وأراد حسان تعيير مشركي قريش بما وقع في حلفائهم من بني النضير . قوله : ( بالبويرة ) بالباء الموحدة تصغير بورة وهي الحفرة ، وهي مكان معروف بين الحديبية وتيماء ، وهي من جهة قبلة مسجد قباء إلى جهة المغرب ، ويقال لها أيضا البويلة باللام بدل الراء . قوله : { من لينة } قال السهيلي : في تخصيص اللينة بالذكر إيماء إلى أن الذي يجوز قطعه من شجر العدو هو ما لا يكون معدا للاقتيات لأنهم كانوا يقتاتون العجوة والبرني دون اللينة ، وكذا ترجم البخاري في التفسير فقال : { ما قطعتم من لينة } : نخلة ما لم تكن برنية أو عجوة . وقيل

اللينة : الدقل .

وفي معالم التنزيل : اللينة فعلة من اللون ، وتجمع على ألوان وقيل من اللين ومعناه النخلة الكريمة وجمعها ليان . وقال في القاموس : إنها الدقل من النخل . قوله : ( يقال لها أبنى ) بضم الهمزة والقصر ذكره في النهاية . وحكى أبو داود أن أبا مسهر قيل له أبنى فقال : نحن أعلم هي ببنا فلسطين . والأحاديث المذكورة فيها دليل على جواز التحريق في بلاد العدو . قال في الفتح : ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو ، وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور واحتجوا بوصية أبي بكر لجيوشه أن لا يفعلوا شيئا من ذلك وقد تقدمت في أول الباب . وأجاب الطبري بأن النهي محمول على القصد لذلك بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في حال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف ، وهو نحو مما أجاب به في النهي عن قتل النساء والصبيان ، وبهذا قال أكثر أهل العلم .

وقال غيره : إنما نهى أبو بكر عن ذلك لأنه قد علم أن تلك البلاد تفتح فأراد بقاءها على المسلمين ، انتهى . ولا يخفى أن ما وقع من أبي بكر لا يصلح لمعارضة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لما تقرر من عدم حجية قول الصحابي .

التالي السابق


الخدمات العلمية