صفحة جزء
باب التسوية بين القوي والضعيف ومن قاتل ومن لم يقاتل 3354 - ( عن ابن عباس قال { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر من فعل كذا وكذا فله من النفل كذا وكذا قال فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوا بها ، فلما فتح الله عليهم قال المشيخة : كنا ردءا لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى فأبى الفتيان وقالوا : جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا ، فأنزل الله عز وجل : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } ، إلى قوله عز وجل : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } . يقول فكان ذلك خيرا لهم ، وكذلك هذا أيضا ، فأطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء } . رواه أبو داود ) .

3355 - ( وعن عبادة بن الصامت قال : { خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله العدو ، فانطلقت طائفة في أثرهم يهزمون ويقتلون ، وأكبت طائفة على الغنائم يحوونه ويجمعونه ، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض ، قال الذين جمعوا الغنائم ، نحن حويناها وجمعناها ، فليس لأحد فيها نصيب ، وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم ، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم لستم بأحق منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة [ ص: 319 ] فاشتغلنا به ، فنزلت : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } . فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فواق بين المسلمين ، وفي لفظ مختصر فينا - أصحاب بدر - نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله في رسوله صلى الله عليه وسلم فقسمه فينا على بواء يقول على السواء } . رواه أحمد ) .

3356 - ( عن سعد بن مالك قال : { قلت يا رسول الله الرجل يكون حامية القوم ، أيكون سهمه وسهم غيره سواء ؟ قال : ثكلتك أمك ابن أم سعد ، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم } رواه أحمد ) .

3357 - ( وعن مصعب بن سعد قال : رأى سعد أن له فضلا على من دونه فقال النبي صلى الله عليه وسلم { هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم } ، رواه البخاري والنسائي ) .

3358 - ( وعن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { أبغوني ضعفاءكم فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم } . رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه ) .


حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري . وأخرجه أيضا الحاكم وصححه أبو الفتح في الاقتراح على شرط البخاري .

وحديث عبادة قال في مجمع الزوائد : رجال أحمد ثقات انتهى .

وأخرجه أيضا الطبراني ، وأخرج نحوه الحاكم عنه .

وحديث سعد بن مالك في إسناده محمد بن راشد المكحولي . قال في التقريب : صدوق يهم .

وحديث أبي الدرداء سكت عنه أبو داود ، وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وللنسائي زيادة تبين المراد من الحديث ولفظها : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم " إنما نصر هذه الأمة بضعفائها ; بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم " .

قوله : ( من النفل ) بفتح النون والفاء زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة ، ومنه نفل الصلاة وهو ما عدا الفرض . وقال في القاموس : النفل محركة الغنيمة والهبة ، والجمع أنفال ونفال . قوله : ( ولزم المشيخة ) بفتح الميم كما في شمس العلوم هو جمع شيخ ، ويجمع أيضا على شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان ومشايخ . قوله : ( ردءا ) بكسر الراء وسكون الدال بعده همزة : هو العون والمادة على ما في القاموس . والمراد بقوله : " لفئتم " : أي رجعتم إلينا . [ ص: 320 ] قوله : ( فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء ) فيه دليل على أنها إذا انفردت منه قطعة فغنمت شيئا كانت الغنيمة للجميع . قال ابن عبد البر : لا يختلف الفقهاء في ذلك : أي إذا خرج الجيش جميعه ثم انفردت منه قطعة انتهى . وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام ، فإنه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدو ، بل قال ابن دقيق العيد : إن المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه ، قال : وإنما قالوا : هو بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى .

قوله : ( فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فواق ) أي قسمها بسرعة في قدر ما بين الحلبتين . وقيل : المراد فضل في القسمة ، فجعل بعضهم أفوق من بعض على قدر عنايته . قوله : ( على بواء ) بفتح الموحدة والواو بعدها همزة ممدودة وهو السواء كما فسره المصنف رحمه الله.

قوله : ( حامية القوم ) بالحاء المهملة ، قال في القاموس : والحامية : الرجل يحمي أصحابه والجماعة أيضا حامية ، وهو على حامية القوم : أي آخر من يحميهم في مضيهم انتهى . قوله : ( رأى سعد ) أي ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه . قال في الفتح : وصورة هذا السياق مرسلة لأن مصعبا لم يدرك زمان هذا القول ، لكنه محمول على أنه سمع ذلك من أبيه . وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي ، فأخرج من طريق معاذ بن هانئ حديث محمد بن طلحة ، فقال فيه : عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر المرفوع دون ما في أوله ، وكذا أخرجه هو والنسائي من طريق مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب عن أبيه ولفظه : { أنه ظن أن له فضلا على من دونه } الحديث .

ورواه عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا أيضا لكنه اختصره ، ولفظه : { ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين } أخرجه أبو نعيم في ترجمته في الحلية من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن عمرو بن مرة وقال : غريب من حديث عمرو تفرد به عبد السلام ، والمراد بقوله : " رأى سعد " : أي ظن كما هو رواية النسائي . قوله : ( على من دونه ) أي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما هو مصرح به في رواية النسائي أيضا ، وسبب ذلك ما له من الشجاعة والإقدام في ذلك الموطن . قوله : ( هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم ) قال ابن بطال : تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا . وقال المهلب : أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة . وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها ، فقال : " قال سعد : يا رسول الله أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره ؟ " فذكر [ ص: 321 ] الحديث ، وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة ، فأعلمه صلى الله عليه وسلم أن سهام المقاتلة سواء ، فإن كان القوي يترجح بفضل شجاعته ، فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه وإخلاصه .

قوله : ( أبغوني ضعفاءكم ) أي اطلبوا لي ضعفاءكم . قال في القاموس : بغيته أبغيه بغاء وبغى وبغية بضمهن وبغية بالكسر طلبته كابتغيته وتبغيته واستبغيته ، والبغية ما ابتغي كالبغية . قال : وأبغاه الشيء : طلبه له كبغاه إياه : كرماه أو أعانه على طلبه انتهى . .

التالي السابق


الخدمات العلمية