صفحة جزء
باب تنفيل سرية الجيش عليه واشتراكهما في الغنائم 3361 - ( عن حبيب بن مسلمة { أن النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس في بدأته ، ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته } . رواه أحمد وأبو داود ) .

3362 - ( وعن عبادة بن الصامت { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع ، وفي الرجعة الثلث } . رواه أحمد وابن ماجه والترمذي ) . [ ص: 323 ]

3363 - ( وفي رواية : { كان إذا غاب في أرض العدو نفل الربع ، وإذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث ، وكان يكره الأنفال ويقول : ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم } . رواه أحمد ) .


حديث حبيب أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه ابن الجارود وابن حبان والحاكم ، وقد رواه أبو داود عنه من طرق ثلاثة منها عن مكحول بن عبد الله الشامي . قال : كنت عبدا بمصر لامرأة من بني هذيل ، فأعتقتني ، فما خرجت من مصر وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ، ثم أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويته فيما أرى ، ثم أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ، ثم أتيت الشام فغربلتها ، كل ذلك أسأل عن النفل فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشيء حتى لقيت شيخا يقال له : زياد بن جارية التميمي ، فقلت له : هل سمعت في النفل شيئا ؟ ، قال : نعم ، سمعت حبيب بن مسلمة الفهري يقول : " شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة " . قال المنذري : وأنكر بعضهم أن يكون لحبيب هذا صحبة ، وأثبتها له غير واحد . وقد قال في حديثه " شهدت النبي صلى الله عليه وسلم " وكنيته أبو عبد الرحمن فكان يسمى حبيبا الرومي لكثرة مجاهدته الروم ، انتهى . وولاه عمر بن الخطاب أعمال الجزيرة وأذربيجان ، وكان فاضلا مجاب الدعوة وهو بالحاء المهملة المفتوحة بموحدتين بينهما مثناة تحتية .

وحديث عبادة بن الصامت صححه أيضا ابن حبان .

وفي الباب عن معن بن يزيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا نفل إلا بعد الخمس } رواه أحمد وأبو داود وصححه الطحاوي .

قوله : ( نفل الربع بعد الخمس في بدأته . . . إلخ ) قال الخطابي : البدأة : ابتداء السفر للغزو ، وإذا نهضت سرية من جملة العسكر فإذا أوقعت بطائفة من العدو فما غنموا كان لهم فيه الربع ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه ، فإن قفلوا من الغزوة ثم رجعوا فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث ، لأن نهوضهم بعد القفل أشق لكون العدو على حذر وحزم انتهى . ورواية أحمد المذكورة في حديث عبادة تدل على أن تنفيل الثلث لأجل ما لحق الجيش من الكلال وعدم الرغبة في القتال لا لكون العدو قد أخذ حذره منهم . قوله : ( بعد الخمس ) فيه دليل على أنه يجب تخميس الغنيمة قبل التنفيل ، وكذلك حديث معن الذي ذكرناه

وفي الحديثين أيضا دليل على أنه يصح أن يكون النفل زيادة على مقدار الخمس .

وفيه رد على من قال : إنه لا يصح التنفيل إلا من الخمس أو خمس الخمس ، وقد تقدم بيان القائل بذلك ، وسيأتي تفصيل الخلاف في المقدار الذي يجوز التنفيل إليه . [ ص: 324 ]

3364 - ( وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش والخمس في ذلك كله واجب } ) .

3365 - ( وعن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد ، فخرجت فيها فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا ، ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا } . متفق عليهما .

وفي رواية قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فأصبنا نعما كثيرا ، فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان ، ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا غنيمتنا ، فأصاب كل رجل منا اثني عشر بعيرا بعد الخمس وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أعطانا صاحبنا ، ولا عاب عليه ما صنع ، فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعيرا بنفله . رواه أبو داود ) .

3366 - ( وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم ، يرد مشدهم على مضعفهم ، ومتسريهم على قاعدهم . } رواه أبو داود .

وقال أحمد : في رواية أبي طالب قال النبي صلى الله عليه وسلم : { السرية ترد على العسكر ، والعسكر يرد على السرية } ) . حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر مطولا . ورواه ابن ماجه من حديث معقل بن يسار مختصرا . ورواه الحاكم عن أبي هريرة مختصرا أيضا ، ورواه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث علي ، وقد تقدم في أول كتاب الدماء

قوله : ( والخمس في ذلك كله واجب ) فيه دليل على أنه يجب تخميس النفل ، ويدل على ذلك أيضا حديث حبيب بن مسلمة المتقدم ، فإن فيه " أنه صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس ، ونفل الثلث بعد الخمس " وكذلك حديث معن الذي تقدم قريبا بلفظ : { لا نفل إلا بعد الخمس } قوله : ( قبل نجد ) بكسر القاف وفتح الموحدة : أي جهتها . قوله : ( فبلغت سهماننا ) أي أنصباؤنا ، والمراد أنه بلغ نصيب كل واحد هذا القدر ، وتوهم بعضهم أن ذلك جميع الأنصباء . [ ص: 325 ] قال النووي : وهو غلط قوله : ( اثني عشر بعيرا ، ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا ) هكذا وقع في رواية ، وفي رواية أخرى للبخاري : " اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا " وقد وقع بيان هذا الشك في غيره من الروايات المذكورة بعضها في الباب .

وفي رواية لأبي داود : " فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ، ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا ، فكان سهامهم ثلاثة عشر بعيرا " وأخرج ابن عبد البر من هذا الوجه أن ذلك الجيش أربعة آلاف . قوله : ( ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . إلخ ) فيه دليل على أن الذي نفلهم هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد وقع الخلاف بين الرواة في القسم والتنفيل ، هل كانا جميعا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدهما من أحدهما ، فهذه الرواية صريحة أن الذي نفلهم هو النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواية أبي داود المذكورة بعدها مصرحة بأن الذي نفلهم هو الأمير ، ورواية ابن إسحاق مصرحة أن التنفيل كان من الأمير ، والقسم من النبي صلى الله عليه وسلم ، وظاهر رواية مسلم من طريق الليث عن نافع أن ذلك صدر من أمير الجيش ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقررا لذلك ومجيزا له لأنه قال فيه : ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم .

ويمكن الجمع بأن المراد بالرواية التي صرح فيها بأن المنفل هو النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقع منه التقرير . قال النووي : معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فجازت نسبته إلى كل منهما .

وفي هذا التنفيل دليل على أنه يصح أن يكون التنفيل أكثر من خمس الخمس . قال ابن بطال : وحديث الباب يرد على هذا القول يعني قول من قال : إن التنفيل يكون من خمس الخمس لأنهم نفلوا نصف السدس وهو أكثر من خمس الخمس . وقد زاده ابن المنير إيضاحا فقال : لو فرضنا أنهم كانوا مائة لكان قد حصل لهم ألف ومائتا بعير ثم بين مقدار الخمس وخمسه ، وأنه لا يمكن أن يكون لكل إنسان منه بعير .

قال ابن التين : قد انفصل من قال من الشافعية بأن التنفيل من خمس الخمس بأوجه : منها : أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة ، بل كان فيها أصناف أخر ، فيكون التنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعض . ثانيها : أن يكون نفلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة . ثالثها : أن يكون نفل بعض الجيش دون بعض .

قال : وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات ، قال : وقد جاء أنهم كانوا عشرة وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا فخرج منها الخمس وهو ثلاثون ، وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد اثنا عشر ثم نفلوا بعيرا بعيرا ، فعلى هذا يكون نفلوا ثلث الخمس . وقد قدمنا عن ابن عبد البر أنه قال : إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه ، فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة ، وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى .

قال الحافظ في الفتح : وهذا الشرط قال به الجمهور .

وقال الشافعي : لا يتحدد [ ص: 326 ] بل هو راجع إلى ما يراه الإمام من المصلحة . ويدل له قوله تعالى: { قل الأنفال لله والرسول } ففوض إليه أمرها انتهى . وقد حكى صاحب البحر هذا الذي قال به الشافعي عن أبي حنيفة والهادي والمؤيد بالله وحكي عن الأوزاعي أنه لا يجاوز الثلث وعن ابن عمر يكون بنصف السدس .

قال الأوزاعي : ولا ينفل من أول الغنيمة ، ولا ينفل ذهبا ولا فضة . وخالفه الجمهور ، ولم يأت في الأحاديث الصحيحة ما يقضي بالاقتصار على مقدار معين ولا على نوع معين ، فالظاهر تفويض ذلك إلى رأي الإمام في جميع الأجناس . قوله : ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ) هذا قد سبق شرحه في كتاب الدماء إلى قوله : " وهم يد على من سواهم " . وقد ذكره المصنف هنالك من حديث علي . قوله : ( يرد مشدهم على مضعفهم ) أي يرد من كان له فضل قوة على من كان ضعيفا ، والمراد بالمتسري الذي يخرج في السرية ، وقد تقدم الكلام على هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية