صفحة جزء
باب المن والفداء في حق الأسارى 3415 - ( عن أنس : { أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من جبال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم ، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما فأعتقهم ، فأنزل الله عز وجل { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة } إلى آخر الآية } . رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي ) .

3416 - ( وعن جبير بن مطعم : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر : لو كان [ ص: 354 ] المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له } رواه أحمد والبخاري وأبو داود ) .

3417 - ( وعن أبي هريرة قال { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ماذا عندك يا ثمامة ؟ قال : عندي يا محمد خير ; إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد ، فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ قال : عندي ما قلت لك ; إن تنعم تنعم على شاكر ، وإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت . فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم : حتى كان الغد ، فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ قال : عندي ما قلت لك ; إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أطلقوا ثمامة ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ، ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، يا محمد والله ما كان على الأرض أبغض إلي من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي ، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة قال له قائل : صبوت ؟ فقال : لا ، ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا والله لا تأتيكم من يمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم } متفق عليه ) .


قوله : ( سلما ) بفتح السين المهملة واللام عن بعضهم ، وعن الأكثرين بسكون اللام ، يعني مع كسر السين ، والأول أصوب ، والسلم : الأسير لأنه أسلم والسلم : الصلح كذا في المشارق ( قوله لو كان المطعم . . . إلخ ) إنما قال صلى الله عليه وسلم كذلك لأنها كانت للمطعم عنده يد ، وهي أنه دخل صلى الله عليه وسلم في جواره لما رجع من الطائف فأراد أن يكافئه بها ، والمطعم المذكور هو والد جبير الراوي لهذا الحديث ، ( والنتنى ) جمع نتن بالنون والتاء المثناة من فوق المراد بهم أسارى بدر ، وصفهم بالنتن لما هم عليه من الشرك كما وصفوا بالنجس . قوله : ( لتركتهم له ) يعني بغير فداء ، وبين السبب في ذلك ابن شاهين بنحو ما قدمنا . [ ص: 355 ] وقد ذكر ابن إسحاق القصة في ذلك مبسوطة ، وكذلك الفاكهي بإسناد حسن مرسل ، وفيه أن المطعم أمر أولاده الأربعة فلبسوا السلاح وقام كل واحد منهم عند ركن من الكعبة فبلغ ذلك قريشا ، فقالوا له : أنت الرجل لا تخفر ذمتك .

وقيل إن اليد التي كانت له أنه كان من أشد من سعى في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب ( قوله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا . . . إلخ ) زعمسيف في كتاب الردة له أن الذي أخذ ثمامة وأسره هو العباس بن عبد المطلب ، قال في الفتح : وفيه نظر لأن العباس إنما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمان فتح مكة ، وقصة ثمامة تقتضي أنها كانت قبل ذلك بحيث اعتمر ثمامة ثم رجع إلى بلاده ثم منعهم أن يميروا أهل مكة ثم شكا أهل مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ثم بعث يشفع فيهم عند ثمامة ( قوله من بني حنيفة ) هو ابن لجيم بجيم ابن صهيب بن علي بن بكر بن وائل : وهي قبيلة كبيرة مشهورة ينزلون اليمامة بين مكة واليمن .

( قوله ثمامة ) بضم المثلثة وأثال بضم الهمزة وبمثلثة خفيفة : وهو ابن النعمان بن مسيلة الحنفي وهو من فضلاء الصحابة ( قوله ماذا عندك ) أي أي شيء عندك ، ويحتمل أن تكون ما استفهامية وذا موصولة وعندك صلة : أي ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك ؟ فأجاب بأنه ظن خيرا ، فقال : عندي يا محمد خير : أي لأنك لست ممن يظلم بل ممن يعفو ويحسن ( قوله : تقتل ذا دم ) بمهملة وتخفيف الميم للأكثر ، وللكشميهني " ذم " بمعجمة بعدها ميم مشددة .

قال النووي : معنى رواية الأكثر إن تقتل تقتل ذا دم بمهملة : أي صاحب دم لدمه موقع يستشفي قاتله بقتله ويدرك ثأره لرياسته وعظمته ، ويحتمل أن يكون المعنى : عليه دم وهو مطلوب به فلا لوم عليك في قتله ، وأما الرواية بالمعجمة فمعناها ذا ذمة ، وثبت ذلك في رواية أبي داود وضعفها عياض بأنه ينقلب المعنى لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله .

وقال النووي : يمكن تصحيحها بأن يحمل على الوجه الأول ، والمراد بالذمة : الحرمة في قومه . وأوجه الجميع الثاني لأنه مشاكل لقوله بعد ذلك " وإن تنعم تنعم على شاكر " وجميع ذلك تفصيل لقوله " عندي خير " وفعل الشرط إذا كرر في الجزاء دل على فخامة الأمر ، قوله : ( قال عندي ما قلت لك : إن تنعم . . . إلخ ) قدم في اليوم الأول القتل ، وفي اليومين الآخرين الإنعام ، وفي ذلك نكتة ، وهي أنه قدم أول يوم أشق الأمرين عليه وأشفاهما لصدر خصومه وهو القتل ، فلما لم يقع قدم الإنعام استعطافا ، وكأنه رأى في اليوم الأول أمارات الغضب دون اليومين الآخرين قوله : ( أطلقوا ثمامة ) في رواية ابن إسحاق " قال : قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقتك " وزاد أيضا أنه لما كان في الأسر جمعوا ما كان في أهل النبي صلى الله عليه وسلم من طعام ولبن ، فلم يقع ذلك من ثمامة موقعه ، فلما أسلم جاءوا بالطعام فلم يصب منه إلا قليلا [ ص: 356 ] فتعجبوا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، وإن المسلم يأكل في معى واحد } .

قوله : ( فبشره ) أي بخير الدنيا والآخرة ، أو بشره بالجنة ، أو بمحو ذنوبه وتبعاته السابقة . قوله : ( صبوت ) هذا اللفظ كانوا يطلقونه على من أسلم ، وأصله يقال لمن دخل في دين الصابئة وهم فرقة معروفة . قوله : ( لا ، ولكن أسلمت . . . إلخ ) كأنه قال : لا ، ما خرجت من الدين لأن عبادة الأوثان ليست دينا ، فإذا تركتها أكون قد خرجت من دين ، بل استحدثت دين الإسلام . وقوله " مع محمد " أي وافقته على دينه فصرنا متصاحبين في الإسلام .

وفي رواية ابن هشام { ولكني تبعت خير الدين دين محمد } . قوله : ( لا والله ) فيه حذف تقديره : والله لا أرجع إلى دينكم ولا أرفق بكم فأترك الميرة تأتيكم من اليمامة .

قوله : ( حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) زاد ابن هشام { ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : إنك تأمر بصلة الرحم ، فكتب إلى ثمامة أن يخلي فيما بينهم وبين الحمل إليهم } وفي هذه القصة من الفوائد ربط الكافر في المسجد والمن على الأسير الكافر وتعظيم أمر العفو عن المسيء ، لأن ثمامة أقسم أن بغضة القلب انقلبت حبا في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلى الله عليه وسلم إليه من العفو والمن بغير مقابل وفيه الاغتسال عند الإسلام ، وأن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب ، وأن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم شرع له أن يستمر في عمل ذلك الخير ، وفيه الملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأسارى إن كان في ذلك مصلحة للإسلام ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه ، وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار وأسر من وجد منهم ، والتخيير بعد ذلك في قتله والإبقاء عليه .

3418 - ( وعن ابن عباس قال { لما أسروا الأسارى ، يعني يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ . فقال أبو بكر : يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار ، وعسى الله أن يهديهم للإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب ؟ فقال : لا والله ما أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم ; فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكنني من فلان - نسيبا لعمر - فأضرب عنقه ، ومكن فلانا من فلان قرابته ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها ، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان ، قلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت [ ص: 357 ] وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة : شجرة قريبة منه ، وأنزل الله عز وجل { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إلى قوله { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } فأحل الله الغنيمة لهم } رواه أحمد ومسلم ) .

3419 - ( وعن ابن عباس : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة } . رواه أبو داود ) .

3420 - ( وعن عائشة قالت : { لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال ، وبعثت فيه بقلادة كانت لها عند خديجة ، أدخلتها بها على أبي العاص قالت : فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة ، فقال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها الذي لها ؟ قالوا : نعم } . رواه أحمد وأبو داود ) .

3421 - ( وعن عمران بن حصين : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل } . رواه أحمد والترمذي وصححه ، ولم يقل فيه من بني عقيل ) .

3422 - ( وعن ابن عباس قال : { كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء ، فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة ، قال : فجاء يوما غلام يبكي إلى أبيه ، فقال : ما شأنك قال : ضربني معلمي ، قال : الخبيث يطلب بذحل بدر ، والله لا تأتيه أبدا } رواه أحمد ) .

حديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضا النسائي والحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله ثقات إلا أبا العنبس وهو مقبول .

وحديث عائشة أخرجه أيضا الحاكم ، وفي إسناده محمد بن إسحاق .

وحديث عمران بن حصين أخرجه أيضا مسلم مطولا كما سيأتي ، وأخرجه ابن حبان مختصرا .

وحديث ابن عباس الثالث في إسناده علي بن عاصم وهو كثير الغلط والخطإ ، وقد وثقه أحمد .

وفي الباب عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه [ ص: 358 ] عند الترمذي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن جبريل هبط فقال له : خيرهم ، يعني أصحابك في أسارى بدر القتل أو الفداء على أن يقتل منهم قابل مثلهم ، قالوا : الفداء ويقتل منا } . قال الترمذي : وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وأبي برزة الأسلمي وجبير بن مطعم قال : هذا ، يعني حديث علي ، حديث حسن غريب من حديث الثوري لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة . ورواه أبو أسامة عن هشام عن ابن سيرين عن عبيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه . وروى ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه مرسلا .

وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم من حديث أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار الناس في أسارى بدر ، فقال أبو بكر : نرى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء } .

وأخرج البخاري عن أنس { أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أتأذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه ، فقال : لا تدعوا منه درهما } .

وأخرج البيهقي من حديث ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إن ذلك كان يوم بدر والمسلمون في قلة ، فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله تعالى : { فإما منا بعد وإما فداء } فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالخيار فيهم ، إن شاءوا قتلوهم ، وإن شاءوا استعبدوهم ، وإن شاءوا فادوهم ، وفي إسناده علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهو لم يسمع منه لكنه إنما أخذ التفسير عن ثقات أصحابه كمجاهد وغيره ، وقد اعتمده البخاري وأبو حاتم وغيرهما في التفسير .

وأخرج أبو داود عن ابن عباس من وجه آخر قال : حدثني عمر بن الخطاب قال : { لما كان يوم بدر فأخذ ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم الفداء أنزل الله تعالى : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إلى قوله : { عذاب عظيم } ثم أحل لهم الغنائم } قوله : ( لما أسروا الأسارى ) قد ساق ابن إسحاق في المغازي تفصيل أمر فداء الأسارى فذكر ما يشفي ويكفي قوله : ( قاعدين يبكيان ) إنما وقع البكاء منه صلى الله عليه وسلم ومن أبي بكر ، لما أنزل الله من المعاتبة ، ولما وقع من عرض العذاب على الذين أخذوا الفداء كما في الحديث المذكور قوله : ( من بني عقيل ) بضم العين المهملة كذا في المشارق ( قوله بذحل ) بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة .

قال في مختصر النهاية : الذحل : الوتر وطلب المكافأة بجناية جنيت عليه . وقال في القاموس : الذحل : الثأر ، أو طلب مكافأة بجناية جنيت عليك أو عداوة أتت إليك أو العداوة والحقد ، الجمع أذحال وذحول . وقد استدل المصنف بالأحاديث التي ذكرها على ما ترجم الباب به من المن والفداء في حق الأسارى ، ومذهب الجمهور أن الأمر في الأسارى الكفرة من الرجال إلى الإمام يفعل ما هو الأحظى للإسلام والمسلمين . وقال الزهري ومجاهد وطائفة : لا يجوز أخذ الفداء من أسرى الكفار أصلا ، وعن الحسن وعطاء [ ص: 359 ] لا تقتل الأسرى ، بل يتخير بين المن والفداء .

وعن مالك لا يجوز المن بغير فداء . وعن الحنفية لا يجوز المن أصلا لا بفداء ولا بغيره . قال الطحاوي : وظاهر الآية ، يعني قوله تعالى: { فإما منا بعد وإما فداء } حجة للجمهور ، وكذا حديث أبي هريرة في قصة ثمامة المذكورة في أول الباب . وقال أبو بكر الرازي : احتج أصحابنا لكراهة فداء المشركين بالمال بقوله تعالى : { لولا كتاب من الله سبق } الآية ، ولا حجة لهم في ذلك لأنه كان قبل حل الغنيمة كما قدمنا عن ابن عباس . والحاصل أن القرآن والسنة قاضيان بما ذهب إليه الجمهور فإنه قد وقع منه صلى الله عليه وسلم المن وأخذ الفداء كما في أحاديث الباب ، ووقع منه القتل فإنه قتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وغيرهما ، ووقع منه فداء رجلين من المسلمين برجل من المشركين كما في حديث عمران بن حصين .

قال الترمذي بعد أن ساق حديث عمران بن حصين المذكور : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن للإمام أن يمن على من شاء من الأسارى ويقتل من شاء منهم ويفدي من شاء ، واختار بعض أهل العلم القتل على الفداء . قال : قال الأوزاعي : بلغني أن هذه الآية منسوخة ، يعني قوله : { فإما منا بعد وإما فداء } نسخها قوله : { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } حدثنا بذلك هناد أخبرنا ابن المبارك عن الأوزاعي قال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد إذا أسر الأسير يقتل أو يفادى أحب إليك ، قال : إن قدر أن يفادى فليس به بأس وإن قتل فما أعلم به بأسا . قال إسحاق بن إبراهيم : الإثخان أحب إلي إلا أن يكون معروفا طمع به الكثير انتهى . وقد ذهب إلى جواز فك الأسير من الكفار بالأسير من المسلمين جمهور أهل العلم لحديث عمران بن حصين المذكور .

التالي السابق


الخدمات العلمية