صفحة جزء
باب جواز استرقاق العرب [ ص: 6 ] عن أبي هريرة قال : { لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها فيهم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هم أشد أمتي على الدجال ، قال : وجاءت صدقاتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذه صدقات قومنا قال : وكانت سبية منهم عند عائشة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل } متفق عليه ) .

3426 - ( وفي رواية { ثلاث خصال سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني تميم لا أزال أحبهم بعده كان على عائشة محرر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أعتقي من هؤلاء ، وجاءت صدقاتهم فقال : هذه صدقات قومي ، قال : وهم أشد الناس قتالا في الملاحم } رواه مسلم ) .

3427 - ( وعن مروان بن الحكم ومسور بن مخرمة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين ، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحب الحديث إلي أصدقه ، فاختاروا إحدى الطائفتين ، إما السبي ، وإما المال ، وقد كنت استأنيت بكم ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف ، فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين ، قالوا : فإنا نختار سبينا ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد : فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءونا تائبين ، وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم ، فمن أحب أن يطيب فليفعل ، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل ، فقال الناس : قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن ، فارجعوا حتى ترفع إلينا عرفاؤكم أمركم ، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا ، فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن } . رواه أحمد والبخاري وأبو داود ) .

[ ص: 7 ] وعن عائشة قالت : { لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السبي لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ، فجئتك أستعينك على كتابتي ، قال : فهل لك في خير من ذلك ؟ قالت : وما هو يا رسول الله ؟ قال : أقضي كتابتك وأتزوجك قالت : نعم يا رسول الله ، قال : قد فعلت ، قالت : وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث ، فقال الناس أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم ، قالت : فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها } . رواه أحمد ، واحتج به في رواية محمد بن الحكم وقال : لا أذهب إلى قول عمر : ليس على عربي ملك ، قد سبى النبي صلى الله عليه وسلم العرب في غير حديث وأبو بكر وعلي حين سبى بني ناجية ) .


حديث عائشة في قصة بني المصطلق أخرجه أيضا الحاكم وأبو داود والبيهقي ، وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر كما تقدم في باب الدعوة قبل القتال . قوله : ( أحب بني تميم ) هم القبيلة الشهيرة ينسبون إلى تميم بن مر بضم الميم بلا هاء ابن أد بضم أوله وتشديد الدال المهملة ابن طابخة بموحدة مكسورة ومعجمة ابن إلياس بن مضر ، قوله : ( بعد ثلاث ) زاد أحمد من وجه آخر عن أبي زرعة عن أبي هريرة { وما كان قوم من الأحياء أبغض إلي منهم فأحببتهم } انتهى

، وإنما كان يبغضهم لما كان بينهم وبين قومه في الجاهلية من العداوة .

قوله : ( هم أشد أمتي على الدجال ) في الرواية الثانية " وهم أشد الناس قتالا في الملاحم " وهي أعم من الرواية الأولى ، ويمكن أن يحمل العام في ذلك على الخاص فيكون المراد بالملاحم أكثرها وهي قتال الدجال ليدخل غيره بطريق الأولى ، قوله : ( هذه صدقات قومي ) وأما نسبهم إليه لاجتماع نسبه لنسبهم في إلياس بن مضر قال : وكانت سبية منهم : أي من تميم وهي بوزن فعيلة مفتوح الأول من السبي أو السباء في رواية الإسماعيلي نسمة بفتح النون والمهملة : أي نفس قوله : ( محرر ) بمهملات اسم مفعول ، وقد بين ذلك الطبراني أن الذي كان على عائشة نذر ، ولفظه " نذرت عائشة أن تعتق محررا من بني إسماعيل " وله في الكبير " أن عائشة قالت : { يا نبي الله إني نذرت [ ص: 8 ] عتيقا من ولد إسماعيل ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : اصبري حتى يجيء فيء بني العنبر غدا ، فجاء فيء بني العنبر فقال : خذي منهم أربعة } الحديث .

قوله : ( وقد كنت استأنيت بكم ) أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم ، وكان صلى الله عليه وسلم قد ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك فجاءه وفد هوازن بعد ذلك فبين لهم أنه انتظرهم ، وقوله : " بضع عشرة ليلة " بيان لمدة الانتظار ، قوله : ( قفل ) بفتح القاف والفاء : أي رجع . وذكر الواقدي أن وفد هوازن كانوا أربعة وعشرين بيتا فيهم الزبرقان السعدي فقال : يا رسول الله إن في هذه الحظائر إلا أمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك ، فامنن علينا من الله عليك قوله : ( أن يطيب ) بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء التحتانية : أي يعطي ذلك على طيبة من نفسه من غير عوض ، قوله : ( على حظه ) أي برد السبي بشرط أن يعطى عوضه .

قوله : ( يفيء الله علينا ) بضم أوله ثم فاء مكسورة وهمزة بعد التحتانية الساكنة : أي يرجع إلينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير ذلك ، ولم يرد الفيء الاصطلاحي وحده قوله : ( عرفاؤكم ) بضم العين المهملة جمع عريف بوزن عظيم ، وهو القائم بأمر طائفة من الناس من عرفت بالضم وبالفتح على القوم عرافة فأنا عارف وعريف ، وليت أمر سياستهم وحفظ أمورهم وسمي بذلك لكونه يتعرف أمورهم قوله : ( فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا ) نسبة التطيب والإذن إلى الجميع حقيقة ، لكن سبب ذلك مختلف ، فالأغلب الأكثر منهم طابت أنفسهم أن يردوا السبي لأهله بغير عوض ، وبعضهم رده بشرط التعويض ، ومعنى طيبوا حملوا أنفسهم على ترك السبايا حتى طابت بذلك .

يقال : طيبت نفسي بكذا : إذا حملتها على السماح به من غير إكراه فطابت بذلك ، ويقال طيبت نفس فلان : إذا كلمته بما يوافقه ، وإنما قلنا إن بعضهم رده بشرط العوض مع أن ظاهر الحديث يدل على أنه لم يشترط العوض أحد منهم لما في رواية موسى بن عقبة بلفظ { فأعطى الناس ما بأيديهم إلا قليلا من الناس سألوا الفداء } وفي رواية عمرو بن شعيب " فقال المهاجرون : ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت الأنصار كذلك ، وقال الأقرع بن حابس : أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة : أما أنا وبنو فزارة فلا ، وقال العباس بن مرداس : أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم : بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : من تمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه ، فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم } قال ابن بطال : في الحديث مشروعية إقامة العرفاء ; لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر جميع الأمور بنفسه ، فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه ، قال : والأمر والنهي إذا توجه إلى الجميع يقع التواكل فيه من بعضهم ، فربما وقع التفريط [ ص: 9 ] فإذا أقام على كل قوم عريفا لم يسع كل أحد إلا الانقياد بما أمر به .

وفيه أن الخبر الوارد في ذم العرفاء لا يمنع العرفاء لأنه محمول إن ثبت على أن الغالب على العرفاء الاستطالة ومجاوزة الحد وترك الإنصاف المفضي إلى الوقوع في المعصية . والحديث في ذم العرفاء أخرجه أبو داود من طريق المقداد بن معدي كرب رفعه { العرافة حق ولا بد للناس من عريف والعرفاء من النار } ولأحمد وصححه ابن خزيمة من طريق عباد بن علي عن أبي حازم عن أبي هريرة رفعه { ويل للأمراء ، ويل للعرفاء } قال الطيبي .

قوله : " والعرفاء في النار " ظاهر أقيم مقام الضمير يشعر بأن العرافة على خطر ، ومن باشرها غير آمن من الوقوع في المحظور المفضي إلى العذاب ، فهو كقوله تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا } فينبغي للعاقل أن يكون على حذر منها لئلا يتورط فيما يؤديه إلى النار . قال الحافظ : ويؤيد هذا التأويل الحديث الآخر حيث توعد الأمراء بما توعد به العرفاء ، فدل على أن المراد بذلك الإشارة إلى أن كل من يدخل في ذلك لا يسلم ، فإن الكل على خطر والاستثناء مقدر في الجميع ، ومعنى العرافة حق أن أصل نصبهم حق ، فإن المصلحة مقتضية لما يحتاج إليه الأمير من المعاونة على ما لا يتعاطاه بنفسه ، ويكفي في الاستدلال لذلك وجودهم في العهد النبوي كما دل عليه حديث الباب .

قوله : ( بني المصطلق ) قد تقدم ضبطه وتفسيره في باب الدعوة قبل القتال قوله : ( وقعت جويرية ) بالجيم مصغرا بنت الحارث بن أبي ضرار بن الحارث بن مالك بن المصطلق ، وكان أبوها سيد قومه وقد أسلم بعد ذلك قوله : ( ملاحة ) بضم الميم وتشديد اللام بعدها حاء مهملة : أي مليحة . وقيل شديدة الملاحة وجمعه ملاح وأملاح وملاحون بتخفيف اللام وملاحون بتشديدها ذكر معنى ذلك في القاموس . وقد استدل المصنف رحمه الله تعالىبأحاديث الباب على جواز استرقاق العرب ، وإلى ذلك ذهب الجمهور كما حكاه الحافظ في كتاب العتق من فتح الباري .

وحكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة أنه لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف ، واستدل لهم بقوله تعالى : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } الآية . قال : والمراد مشركو العرب إجماعا إذ كان العهد لهم يومئذ دون العجم ا هـ . ثم قال في موضع آخر من البحر : فأما الاسترقاق ، فإن كان أعجميا أو كتابيا جاز لقول ابن عباس في تفسير { فإما منا بعد وإما فداء } خير الله تعالى نبيه في الأسرى بين القتل والفداء والاسترقاق ، وإن كان عربيا غير كتابي لم يجز الشافعي يجوز .

لنا قوله صلى الله عليه وسلم : " لو كان الاسترقاق ثابتا على العرب " الخبر ا هـ . وهو يشير إلى حديث معاذ الذي أخرجه الشافعي والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين : { لو كان الاسترقاق جائزا على العرب لكان اليوم إنما هو أسرى } وفي إسناده الواقدي وهو ضعيف جدا ، ورواه الطبراني من [ ص: 10 ] طريق أخرى فيها يزيد بن عياض وهو أشد ضعفا من الواقدي ، ومثل هذا لا تقوم به حجة . وظاهر الآية عدم الفرق بين العربي والعجمي . وقد خصت الهادوية عدم جواز الاسترقاق بذكور العرب دون إناثهم . ومن أدلتهم على عدم جواز استرقاق الذكور من العرب أنه لو ثبت الاسترقاق لهم لوقع ، ولم يرد في وقوعه شيء على كثرة أسر العرب في زمانه صلى الله عليه وسلم ، فإن المكروه أيضا لا بد أن يقع ولو لبيان الجواز ، ولا يجوز أن يخل النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ حكم الله .

قال في المنار مستدلا على ما ذهب إليه الجمهور : وقد استفتحت الصحابة أرض الشام وهم عرب ، وكذلك في أطراف بلاد العرب المتصلة بالعجم ولم يفتشوا العربي من العجمي ، والكتابي من الأمي ، بل سووا بينهم لم يرو عن أحد خلاف ذلك ، ثم ذكر قول أحمد بن حنبل الذي ذكره المصنف . والحاصل أنه قد ثبت في جنس أسارى الكفار جواز القتل والمن والفداء والاسترقاق ، فمن ادعى أن بعض هذه الأمور يختص ببعض الكفار دون بعض لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ناهض يخصص العمومات ، والمجوز قائم في مقام المنع ، وقول علي وفعله عند بعض المانعين من استرقاق ذكور العرب حجة . وقد استرق بني ناجية ذكورهم وإناثهم وباعهم كما هو مشهور في كتب السير والتواريخ ، وبنو ناجية من قريش فكيف ساغت لهم مخالفته .

التالي السابق


الخدمات العلمية