صفحة جزء
باب الكفار يحاصرون فينزلون على حكم رجل من المسلمين [ ص: 62 ] ( عن أبي سعيد : { أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتاه على حمار ، فلما دنا قريبا من المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا إلى سيدكم - أو - خيركم ، فقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن هؤلاء نزلوا على حكمك ، قال : فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ، فقال : لقد حكمت بما حكم به الملك وفي لفظ قضيت بحكم الله عز وجل } متفق عليه ) .


قوله : ( قوموا إلى سيدكم ) قد اختلف : هل المخاطب بهذا الخطاب الأنصار خاصة أم هم وغيرهم ؟ وقد بين ذلك صاحب الفتح في كتاب الاستئذان

قوله : ( فإني أحكم ) في رواية للبخاري فيهم ، وفي رواية له أخرى " فيه " أي في هذا الأمر

قوله : ( بما حكم به الملك ) بكسر اللام ، وفي رواية { لقد حكمت اليوم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات } وفي حديث جابر عند ابن عائذ فقال : { احكم فيهم يا سعد ، فقال : الله ورسوله أحق بالحكم ، قال : قد أمرك الله أن تحكم فيهم } وفي رواية ابن إسحاق " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة " والأرقعة بالقاف جمع رقيع : وهو من أسماء السماء سميت بذلك لأنها رقعت بالنجوم ، وهذا كله يدفع ما وقع عند الكرماني بحكم الملك بفتح اللام ، وفسره بجبريل لأنه الذي كان ينزل بالأحكام .

قال السهيلي : من فوق سبع سموات معناه أن الحكم نزل من فوق ، قال : ومثله قول زينب بنت جحش : زوجني الله من نبيه من فوق سبع سموات : أي نزل تزويجها من فوق . قال : ولا يستحيل وصفه تعالى بالفوق على المعنى الذي يليق بجلاله لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التحديد الذي يفضي إلى التشبيه .

وفي الحديث دليل على أنه يجوز نزول العدو على حكم رجل من المسلمين ويلزمهم ما حكم به عليهم من قتل وأسر واسترقاق . وقد ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة لما نزلوا على حكم سعد جلسوا في دار بنت الحارث .

وفي رواية أبي الأسود عن عروة في دار أسامة بن زيد . ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في البيتين . ووقع في حديث جابر عند ابن عائذ التصريح بأنهم جعلوا في بيتين . قال ابن إسحاق : فخندقوا لهم خنادق فضربت أعناقهم ، فجرى الدم في الخندق وقسم أموالهم ونساءهم وأبناءهم على المسلمين ، وأسهم للخيل ، فكان أول يوم وقعت فيه السهمان لها . وعند ابن سعد من مرسل حميد بن هلال أن سعد بن معاذ حكم أيضا [ ص: 63 ] أن تكون دورهم للمهاجرين دون الأنصار فلامه الأنصار ، فقال : إني أحببت أن يستغنوا عن دوركم .

واختلف في عدتهم ، فعند ابن إسحاق أنهم كانوا ست مائة ، وبه جزم أبو عمر بن عبد البر في ترجمة سعد بن معاذ . وعند ابن عائذ من مرسل قتادة كانوا سبعمائة . قال السهيلي : المكثر يقول : إنهم ما بين الثمانمائة إلى السبعمائة .

وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل ، فيجمع بأن الباقين كانوا أتباعا . وقد حكى ابن إسحاق أنه قيل إنهم كانوا تسعمائة .

التالي السابق


الخدمات العلمية