صفحة جزء
باب أخذ الجزية وعقد الذمة 3474 - ( عن عمر : { أنه لم يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر } . رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي .

وفي رواية : { أن عمر ذكر المجوس فقال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم ؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سنوا بهم سنة أهل الكتاب } رواه الشافعي ، وهو دليل على أنهم ليسوا من أهل الكتاب ) .

3475 - ( وعن المغيرة بن شعبة أنه قال لعامل كسرى : { أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية } . رواه أحمد والبخاري ) .

3476 - ( وعن ابن عباس قال : { مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم وشكوه إلى أبي طالب فقال : يا ابن أخي ما تريد من قومك ؟ قال : أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية قال : كلمة واحدة ؟ قال : كلمة واحدة قولوا : لا إله إلا الله قالوا : إلها واحدا ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ، قال : فنزل فيهم القرآن { ص والقرآن ذي الذكر } إلى قوله : { إن هذا إلا اختلاق } } رواه أحمد والترمذي وقال : حديث حسن ) .


حديث عمر وعبد الرحمن ورد بألفاظ من طرق ، منها ما ذكره المصنف . وقد أخرجه الترمذي بلفظ " فجاءنا كتاب عمر : انظر مجوس من قبلك فخذ منهم الجزية ، فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني فذكره " وأخرج أبو داود من طريق ابن عباس قال : { جاء [ ص: 64 ] رجل من مجوس هجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما خرج قلت له : ما قضاء الله ورسوله فيكم ؟ قال : شر : الإسلام أو القتل } وقال عبد الرحمن بن عوف : قبل منهم الجزية . قال ابن عباس : فأخذ الناس بقول عبد الرحمن وتركوا ما سمعت

وروى أبو عبيد في كتاب الأموال بسند صحيح عن حذيفة : لولا أني رأيت أصحابي أخذوا الجزية من المجوس ما أخذتها .

وفي الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر قال : لا أدري ما أصنع بالمجوس ، فقال عبد الرحمن بن عوف : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } وهذا منقطع ورجاله ثقات . ورواه الدارقطني وابن المنذر في الغرائب من طريق أبي علي الحنفي عن مالك ، فزاد فيه عن جده : أي جد جعفر بن محمد ، وهو أيضا منقطع لأن جده علي بن الحسين لم يلحق عبد الرحمن بن عوف ولا عمر ، فإن كان الضمير في جده يعود إلى محمد بن علي فيكون متصلا ; لأن جده الحسين بن علي صلوات الله عليهمسمع من عمر بن الخطاب ومن عبد الرحمن بن عوف ، وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء بن الحضرمي ، أخرجه الطبراني في آخر حديث بلفظ { سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب } قال ابن عبد البر : هذا من الكلام العام الذي أريد به الخاص ; لأن المراد سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط ، واستدل بقوله : " سنة أهل الكتاب " على أنهم ليسوا أهل كتاب ، لكن روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي كان المجوس أهل كتاب يدرسونه وعلم يقرءونه ، فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته ، فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال : إن آدم كان ينكح أولاده بناته ، فأطاعوه ، وقتل من خالفه ، فأسرى على كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شيء .

وروى عبد بن حميد في تفسير سورة البروج بإسناد صحيح عن ابن أبزى : لما هزم المسلمون أهل فارس . قال عمر : اجتمعوا فقال : إن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم ، ولا من عبدة الأوثان فنجري عليهم أحكامهم ، فقال علي : بل هم أهل كتاب فذكر نحوه ، لكن قال : وقع على ابنته ، وقال في آخره : فوضع الأخدود لمن خالفه ، فهذا حجة من قال كان لهم كتاب . وأما قول ابن بطال : لو كان لهم كتاب ورفع لرفع حكمه ، ولما استثنى حل ذبائحهم ونكاح نسائهم .

فالجواب أن الاستثناء وقع للأثر الوارد ; لأن في ذلك شبهة تقتضي حقن الدم بخلاف النكاح فإنه ممن يحتاط له . وقال ابن المنذر : ليس تحريم نكاحهم وذبائحهم متفقا عليه ، ولكن الأكثر من أهل العلم عليه ، وحديث ابن عباس أخرجه النسائي أيضا ، وصححه الترمذي والحاكم

قوله : ( حتى تعبدوا الله وحده . . . إلخ ) فيه الإخبار من المغيرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال المجوس حتى يؤدوا الجزية ، زاد الطبراني " وإنا والله لا نرجع إلى ذلك الشقاء حتى نغلبكم على [ ص: 65 ] ما في أيديكم " قوله : ( وتؤدي إليهم بها العجم الجزية ) فيه متمسك لمن قال : لا تؤخذ الجزية من الكتابي إذا كان عربيا قال في الفتح : فأما اليهود والنصارى فهم المراد بأهل الكتاب بالاتفاق .

وفرق الحنفية فقالوا : تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس العرب وحكى الطحاوي عنهم أنها تقبل الجزية من أهل الكتاب ومن جميع كفار العجم ، ولا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف . وعن مالك تقبل من جميع الكفار إلا من ارتد ، وبه قال الأوزاعي وفقهاء الشام . وحكى ابن القاسم عن مالك أنها لا تقبل من قريش وحكى ابن عبد البر الاتفاق على قبولها من المجوس ، لكن حكى ابن التين عن عبد الملك أنها لا تقبل إلا من اليهود والنصارى فقط . ونقل أيضا الاتفاق على أنه لا يحل نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم . وحكى غيره عن أبي ثور حل ذلك ، قال ابن قدامة : وهذا خلاف إجماع من تقدمه . قال الحافظ : وفيه نظر ، فقد حكى ابن عبد البر عن سعيد بن المسيب أنه لم يكن يرى بذبيحة المجوسي بأسا إذا أمره المسلم بذبحها . وروى ابن أبي شيبة عنه وعن عطاء وطاوس وعمرو بن دينار أنهم لم يكونوا يرون بأسا بالتسري بالمجوسية . وقال الشافعي : تقبل من أهل الكتاب عربا كانوا أو عجما ، ويلتحق بهم المجوس في ذلك قال أبو عبيد : ثبتت الجزية على اليهود والنصارى بالكتاب وعلى المجوس بالسنة قال العلماء : الحكمة في وضع الجزية أن الذي يلحقهم يحملهم على الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الاطلاع على محاسن الإسلام واختلف في السنة التي شرعت فيها ، فقيل في سنة ثمان وقيل في سنة تسع

3477 - ( وعن عمر بن عبد العزيز { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن : إن على كل إنسان منكم دينارا كل سنة أو قيمته من المعافر ، يعني أهل الذمة منهم } رواه الشافعي في مسنده وقد سبق هذا المعنى في كتاب الزكاة في حديث لمعاذ ) .

3478 - ( وعن عمرو بن عوف الأنصاري : { أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي } متفق عليه ) .

3479 - ( وعن الزهري قال : { قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزية من أهل البحرين وكانوا مجوسا } رواه أبو عبيد في الأموال ) .

3480 - ( وعن أنس { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة ، فأخذوه [ ص: 66 ] فأتوا به فحقن دمه وصالحه على الجزية } رواه أبو داود ، وهو دليل على أنها لا تختص بالعجم ; لأن أكيدر دومة عربي من غسان ) .

3481 - ( وعن ابن عباس قال : { صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل نجران على ألفي حلة النصف في صفر ، والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمين ، وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها ، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد ذات غدر على أن لا يهدم لهم بيعة ، ولا يخرج لهم قس ، ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا ، أو يأكلوا الربا } أخرجه أبو داود ) . حديث عمر بن عبد العزيز هو مرسل ، ولكنه يشهد له ما أشار إليه المصنف من حديث معاذ ، وقد سبق في باب صدقة المواشي من كتاب الزكاة ، وفيه { ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر } وقد قدمنا الكلام عليه هنالك ، وحديث الزهري هو أيضا مرسل . وقد تقدم ما يشهد له في أول الباب .

وحديث أنس أخرجه أيضا البيهقي وسكت عنه أبو داود والمنذري ، ورجال إسناده ثقات ، وفيه عنعنة محمد بن إسحاق وحديث ابن عباس هو من رواية السدي عنه . قال المنذري : وفي سماع السدي من عبد الله بن عباس نظر ، وإنما قيل إنه رآه ورأى ابن عمر ، وسمع من أنس بن مالك ، وكذا قال الحافظ : إن في سماع السدي منه نظرا ، لكن له شواهد : منها ما أخرجه ابن أبي شيبة عن الشعبي قال : { كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل نجران وهم نصارى أن من بايع منكم بالربا فلا ذمة له } وأخرج أيضا عن سالم قال : " إن أهل نجران قد بلغوا أربعين ألفا ، وكان عمر رضي الله عنه يخافهم أن يميلوا على المسلمين فتحاسدوا بينهم ، فأتوا عمر فقالوا : أجلنا ، قال : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كتب لهم كتابا أن لا يجلوا ، فاغتنمها عمر فأجلاهم ، فندموا ، فأتوه فقالوا : أقلنا ، فأبى أن يقيلهم ، فلما قدم علي أتوه فقالوا : إنا نسألك بخط يمينك وشفاعتك عند نبيك إلا ما أقلتنا ، فأبى ، وقال : إن عمر كان رشيد الأمر " قوله : ( من المعافر ) بعين مهملة وفاء : اسم قبيلة وبها سميت الثياب ، وإليها ينسب البز المعافري قوله : ( الأنصاري ) كذا في صحيح البخاري ، والمعروف عند أهل المغازي أنه من المهاجرين . وقد وقع أيضا في البخاري أنه حليف لبني عامر بن لؤي ، وهو يشعر - بكونه من أهل مكة قال في الفتح : ويحتمل أن يكون وصفه بالأنصاري بالمعنى الأعم ، ولا مانع أن يكون أصله من الأوس والخزرج نزل مكة وحالف بعض أهلها ، فبهذا الاعتبار [ ص: 67 ] يكون أنصاريا مهاجريا . قال : ثم ظهر لي أن لفظة الأنصاري وهم ، وقد تفرد بها شعيب عن الزهري ، ورواه أصحاب الزهري عنه بدونها في الصحيحين وغيرهما ، وهو معدود في أهل بدر باتفاقهم ، ووقع عند موسى بن عقبة في المغازي أنه عمير بن عوف بالتصغير قوله : ( إلى البحرين ) هي البلد المشهور بالعراق ، وهو بين البصرة وهجر ، وقوله : " ويأتي بجزيتها " أي يأتي بجزية أهلها ، وكان غالب أهلها إذ ذاك المجوس ، ففيه تقوية للحديث الذي تقدم . ومن ثم ترجم عليه النسائي " أخذ الجزية من المجوس " وذكر ابن سعد " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قسمة الغنائم بالجعرانة أرسل العلاء إلى المنذر بن ساوى عامل الفرس على البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم ، وصالح مجوس تلك البلاد " قوله : ( وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . . إلخ ) كان ذلك في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة قوله : ( إلى أكيدر ) بضم الهمزة تصغير أكدر ، قال في التلخيص : إن ثبت أن أكيدر كان كنديا ففيه دليل على أن الجزية لا تختص بالعجم من أهل الكتاب ; لأن أكيدرا كان عربيا ا . هـ .

قوله : ( صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل نجران ) . . . إلخ هذا المال الذي وقعت عليه المصالحة هو في الحقيقة جزية ، ولكن ما كان مأخوذا على هذه الصفة يختص بذوي الشوكة فيؤخذ ذلك المقدار من أموالهم ولا يضربه الإمام على رءوسهم قوله : ( إن كان باليمن كيد ذات غدر ) إنما أنث الكيد هنا لأنه أراد به الحرب ، ولفظ الجامع " كيد إذا بغدر " وفي الإرشاد " كيد أو غدر " وهكذا لفظ أبي داود قوله : ( ولا يخرج لهم قس ) بفتح القاف وتشديد المهملة بعدها ، قال في القاموس : وهو رئيس النصارى في العلم قوله : ( أو يأكلوا الربا ) زاد أبو داود " قال إسماعيل : قد أكلوا الربا "

التالي السابق


الخدمات العلمية