صفحة جزء
[ ص: 283 ] باب تحريم القراءة على الحائض والجنب

298 - ( عن علي كرم الله وجهه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته ، ثم يخرج فيقرأ القرآن ، ويأكل معنا اللحم ولا يحجبه وربما قال : لا يحجزه من القرآن شيء ليس الجنابة } رواه الخمسة لكن لفظ الترمذي مختصر : كان يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا ، وقال : حديث حسن صحيح ) .


الحديث أيضا أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبزار والدارقطني والبيهقي ، وصححه أيضا ابن حبان وابن السكن وعبد الحق ، والبغوي في شرح السنة . وقال ابن خزيمة : هذا الحديث ثلث رأس مالي . وقال شعبة : ما أحدث بحديث أحسن منه ، قال الشافعي : أهل الحديث لا يثبتونه . قال البيهقي : إنما قال ذلك ; لأن عبد الله بن سلمة راويه كان قد تغير ، وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر ، قاله شعبة ، وقال الخطابي : كان أحمد يوهن هذا الحديث . وقال النووي : خالف الترمذي الأكثرون ، فضعفوا هذا الحديث ، وقد قدمنا من صححه مع الترمذي . وحكى البخاري عن عمرو بن مرة الراوي لهذا الحديث عنه أنه قال : كان عبد الله بن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر .

والحديث يدل على أن الجنب لا يقرأ القرآن ، وقد ذهب إلى تحريم قراءة القرآن على الجنب القاسم والهادي والشافعي من غير فرق بين الآية وما دونها وما فوقها . وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز له قراءة دون آية إذ ليس بقرآن .

وقال المؤيد بالله والإمام يحيى وبعض أصحاب أبي حنيفة : يجوز ما فعل لغير التلاوة كيا مريم اقنتي ، لا لقصد التلاوة . احتج الأولون القائلون بالتحريم بحديث الباب . وحديث ابن عمر الذي سيأتي . وحديث : { اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابته فلا ، ولا حرفا } ويجاب عن ذلك بأن حديث الباب ليس فيه ما يدل على التحريم ; لأن غايته أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القراءة حال الجنابة ، ومثله لا يصلح متمسكا للكراهة ، فكيف يستدل به على التحريم ؟ . وأما حديث ابن عمر ففيه مقال سنذكره عند ذكره ، لا ينتهض معه للاستدلال . وأما حديث { اقرءوا القرآن } . . . إلخ فهو غير مرفوع بل موقوف على علي عليه السلام ، إلا أنه أخرج أبو يعلى من حديث علي قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ، ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال : هكذا لمن ليس بجنب ، فأما الجنب فلا ، ولا آية } قال الهيثمي : ورجاله موثقون فإن صح هكذا صلح للاستدلال به على التحريم .

وقد أخرج البخاري عن ابن عباس أنه لم ير في القراءة للجنب بأسا ، ويؤيده التمسك بعموم حديث عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل [ ص: 284 ] أحيانه } وبالبراءة الأصلية حتى يصح ما يصلح لتخصيص هذا العموم ، وللنقل عن هذه البراءة .

299 - ( وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يقرأ الجنب ، ولا الحائض شيئا من القرآن } رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ) . الحديث في إسناده إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة ، وهذا منها ، وذكر البزار أنه تفرد به عن موسى بن عقبة ، وسبقه إلى نحو ذلك البخاري ، وتبعهما البيهقي ، لكن رواه الدارقطني من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى ، ومن وجه آخر وفيه مبهم عن أبي معشر ، وهو ضعيف عن موسى ، قال الحافظ : وصحح ابن سيد الناس طريق المغيرة ، وأخطأ في ذلك ، فإن فيها عبد الملك بن مسلمة وهو ضعيف ، فلو سلم منه لصح إسناده ، وإن كان ابن الجوزي ضعفه بمغيرة بن عبد الرحمن فلم يصب في ذلك ، فإن مغيرة ثقة . وقال أبو حاتم : حديث إسماعيل بن عياش هذا خطأ ، وإنما هو من قول ابن عمر . وقال أحمد بن حنبل : هذا باطل أنكر على إسماعيل بن عياش .

والحديث يدل على تحريم القراءة على الجنب ، وقد عرفت بما ذكرنا أنه لا ينتهض للاحتجاج به على ذلك ، وقد قدمنا الكلام على ذلك في الحديث الذي قبل هذا ، ويدل أيضا على تحريم القراءة على الحائض وقد قال به قوم . والحديث هذا والذي بعده لا يصلحان للاحتجاج بهما . على ذلك ، فلا يصار إلى القول بالتحريم إلا لدليل .

300 - ( وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : لا تقرأ الحائض ولا النفساء من القرآن شيئا } . رواه الدارقطني ) . الحديث فيه محمد بن الفضل وهو متروك ، ومنسوب إلى الوضع ، وقد روي موقوفا ، وفيه يحيى بن أبي أنيسة وهو كذاب . وقال البيهقي : هذا الأثر ليس بالقوي ، وصح عن عمر أنه كان يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب ، وساقه عنه في الخلافيات بإسناد صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية