صفحة جزء
باب ما جاء في بداءتهم بالتحية وعيادتهم 3493 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها } متفق عليه ) .

3494 - ( وعن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم } متفق عليه ، وفي رواية لأحمد " فقولوا : عليكم " بغير واو ) .

3495 - ( وعن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { إن اليهود إذا سلم أحدهم إنما يقول : السام عليكم ، فقل : عليك } متفق عليه .

وفي رواية لأحمد ومسلم " وعليك " بالواو ) .

3496 - ( وعن عائشة قالت : { دخل رهط من اليهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : السام عليك ، قالت عائشة : ففهمتها ، فقلت : عليكم السام واللعنة ، قالت : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مهلا يا عائشة ، إن الله يحب الرفق في الأمر كله ، فقلت : يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا ؟ فقال : قد قلت : وعليكم } متفق عليه .

وفي لفظ " عليكم " أخرجاه ) .

[ ص: 76 ] ( وعن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدءوهم بالسلام ، وإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم } رواه أحمد )


قوله : ( لا تبدءوا اليهود . . . إلخ ) فيه تحريم ابتداء اليهود والنصارى بالسلام ، وقد حكاه النووي عن عامة السلف وأكثر العلماء . قال : وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام ، روي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز ، وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي ، لكنه قال : يقول السلام عليك ولا يقول عليكم بالجمع ، واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث الواردة في إفشاء السلام ، وهو من ترجيح العمل بالعام على الخاص . وذلك مخالف لما تقرر عند جميع المحققين ، ولا شك أن هذا الحديث الوارد في النهي عن ابتداء اليهود والنصارى بالسلام أخص منها مطلقا والمصير إلى بناء العام على الخاص واجب . وقال بعض أصحاب الشافعي : يكره ابتداؤهم بالسلام ولا يحرم وهو مصير إلى معنى النهي المجازي بلا قرينة صارفة إليه . وحكى القاضي عياض عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة وهو قول علقمة والنخعي وروي عن الأوزاعي أنه قال : إن سلمت فقد سلم الصالحون ، وإن تركت فقد ترك الصالحون قوله : ( وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها ) أي ألجئوهم إلى المكان الضيق منها .

وفيه دليل على أنه لا يجوز للمسلم أن يترك للذمي صدر الطريق ، وذلك نوع من إنزال الصغار بهم والإذلال لهم قال النووي : وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه جدار ونحوه

قوله : ( فقولوا وعليكم ) في الرواية الأخرى " فقولوا عليكم " وفي الرواية الثالثة " فقل عليك " فيه دليل على أنه يرد على أهل الكتاب إذا وقع منهم الابتداء بالسلام ، ويكون الرد بإثبات الواو وبدونها ، وبصيغة المفرد والجمع وكذا يرد عليهم لو قالوا السام بحذف اللام وهو عندهم الموت .

قال النووي في شرح مسلم : اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم : وعليكم السلام ، بل يقال : عليكم ، أو وعليكم ، فقد جاءت الأحاديث بإثبات الواو وحذفها ، وأكثر الروايات بإثباتها . قال : وعلى هذا في معناه وجهان : أحدهما : أنه على ظاهره فقالوا : عليكم الموت ، فقال : وعليكم أيضا : أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت . والثاني : أن الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك ، وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذم ، وأما من حذف الواو فتقديره بل عليكم السام . قال القاضي : اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو ، فتقديره بل عليكم السام . وقال غيره بإثباتها . قال : وقال بعضهم : يقول عليكم السلام بكسر السين : [ ص: 77 ] أي الحجارة وهذا ضعيف .

قال الخطابي : عامة المحدثين يروون هذا الحرف " وعليكم " بالواو ، وكان ابن عيينة يرويه بغير واو ، وقال : وهذا هو الصواب ; لأنه إذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردودا عليهم خاصة ، وإذا ثبت الواو اقتضى الشركة معهم فيما قالوه . قال النووي : والصواب أن إثبات الواو جائز كما صحت به الروايات ، وأن الواو أجود ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر في المجيء بالواو . وحكى النووي بعد أن حكى الإجماع المتقدم عن طائفة من العلماء أنه لا يرد على أهل الكتاب السلام .

قال : ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك وحكى الماوردي عن بعض أصحاب الشافعي أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم وعليكم السلام ، ولكن لا يقول ورحمة الله . قال النووي : وهو ضعيف مخالف للأحاديث . قال : ويجوز الابتداء على جمع فيهم مسلمون وكفار أو مسلم وكافر ، يقصد المسلمين للحديث الثابت في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - { سلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين } قوله : ( إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) هذا من عظيم خلقه - صلى الله عليه وسلم - وكمال حلمه .

وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة .

وفي الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم يترتب عليه مفسدة قال الشافعي : الكيس العاقل : هو الفطن المتغافل

التالي السابق


الخدمات العلمية