صفحة جزء
[ ص: 98 ] باب النهي عن صبر البهائم وإخصائها والتحريش بينها ووسمها في الوجه

3533 - ( عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - { لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا } ) .

3534 - ( وعن أنس أنه دخل دار الحكم بن أيوب فإذا قوم قد نصبوا دجاجة يرمونها ، فقال : { نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تصبر البهائم } . متفق عليهما ) .

3535 - ( وعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : { لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا } رواه الجماعة إلا البخاري ) .

3536 - ( وعن ابن عمر قال : { نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إخصاء الخيل والبهائم } ، ثم قال ابن عمر : فيها نماء الخلق . رواه أحمد ) .

3537 - ( وعن ابن عباس قال : { نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التحريش بين البهائم } رواه أبو داود والترمذي ) .

3538 - ( وعن جابر قال : { نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ضرب الوجه ، وعن وسم الوجه } رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه وفي لفظ : { مر عليه بحمار قد وسم في وجهه ، فقال : لعن الله الذي وسمه } رواه أحمد ومسلم وفي لفظ : مر عليه بحمار قد وسم في وجهه ، فقال : { أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها } ونهى عن ذلك . رواه أبو داود ) .

3539 - ( وعن ابن عباس قال : { رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا موسوم الوجه فأنكر ذلك ، قال : فوالله لا أسمه إلا في أقصى شيء من الوجه ، وأمر بحماره فكوي في جاعرتيه } ، فهو أول من كوى الجاعرتين . رواه مسلم ) .

حديث ابن عمر الثاني في إسناده عبد الله بن نافع وهو ضعيف وأخرج البزار بإسناد [ ص: 99 ] صحيح من حديث ابن عباس { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صبر الروح وعن إخصاء البهائم نهيا شديدا } .

وحديث ابن عباس الثاني في إسناده أبو يحيى القتات وهو ضعيف


قوله : ( لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا ) الغرض بفتح الغين المعجمة والراء : وهو المنصوب للرمي ، واللعن : دليل التحريم . قوله : ( أن تصبر البهائم ) بضم أوله : أي تحبس لترمى حتى تموت ، وأصل الصبر : الحبس قال النووي : قال العلماء : صبر البهائم أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه وهو معنى { لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا } أي لا تتخذوا الحيوان الحي غرضا ترمون إليه كالغرض من الجلود وغيرها . وهذا النهي للتحريم ، ويدل على ذلك ما ورد من لعن من فعل ذلك كما في حديث ابن عمر ، ولأن الأصل في تعذيب الحيوان وإتلاف نفسه وإضاعة المال التحريم قوله : ( دجاجة ) بفتح الدال المهملة ، وفي القاموس : والدجاجة معروف للذكر والأنثى وتثلث . وهذه الرواية مفسرة لما وقع في صحيح مسلم بلفظ " نصبوا طيرا " قوله : ( عن إخصاء الخيل ) الإخصاء : سل الخصية . قال في القاموس : وخصاه خصيا : سل خصيته .

وفيه دليل على تحريم خصي الحيوانات ، وقول ابن عمر " فيها نماء الخلق " أي زيادته إشارة إلى أن الخصي مما تنمو به الحيوانات ، ولكن ليس كل ما كان جالبا لنفع يكون حلالا بل لا بد من عدم المانع ، وإيلام الحيوان ههنا مانع لأنه إيلام لم يأذن به الشارع بل نهى عنه قوله : ( عن التحريش بين البهائم ) قال في القاموس : التحريش : الإغراء بين القوم أو الكلاب ا هـ . فجعله مختصا ببعض الحيوانات . وظاهر الحديث أن الإغراء بين ما عدا الكلاب من البهائم يقال له تحريش . ووجه النهي أنه إيلام للحيوانات وإتعاب لها بدون فائدة بل مجرد عبث .

قوله : ( وعن وسم الوجه ) الوسم بفتح الواو وسكون المهملة ، كذا قال القاضي عياض قال النووي : وهو الصحيح المعروف في الروايات وكتب الحديث . قال القاضي عياض : وبعضهم يقوله بالمهملة وبالمعجمة ، وبعضهم فرق فقال بالمهملة في الوجه وبالمعجمة في سائر الجسد .

وفيه دليل على تحريم وسم الحيوان في وجهه ، وهو معنى النهي حقيقة ويؤيد ذلك اللعن الوارد لمن فعل ذلك كما في الرواية المذكورة في حديث الباب ، فإنه لا يلعن - صلى الله عليه وسلم - إلا من فعل محرما ، وكذلك ضرب الوجه . قال النووي : وأما الضرب في الوجه فمنهي عنه في كل الحيوان المحترم من الآدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرها لكنه في الآدمي أشد لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف يظهر فيه أثر الضرب وربما شانه وربما آذى بعض الحواس .

قال : وأما الوسم في الوجه فمنهي عنه بالإجماع للحديث ولما ذكرناه فأما الآدمي فوسمه حرام لكرامته ولأنه لا حاجة إليه ولا يجوز تعذيبه . وأما غير الآدمي فقال جماعة من أصحابنا : يكره . وقال البغوي من أصحابنا : لا يجوز فأشار [ ص: 100 ] إلى تحريمه وهو الأظهر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن فاعله ، واللعن يقتضي التحريم . وأما وسم غير الوجه من غير الآدمي فجائز بلا خلاف عندنا ، لكن يستحب في نعم الزكاة والجزية ، ولا يستحب في غيرها ولا ينهى عنه .

قال أهل اللغة : الوسم : أثر الكية وقد وسمه يسمه وسما وسمة . والميسم : الشيء الذي يسم به وهو بكسر الميم وفتح السين وجمعه مياسيم ومواسم وأصله كله من السمة وهي العلامة ، ومنه موسم الحج : أي معلم يجمع الناس ، وفلان موسوم بالخير وعليه سمة الخير : أي علامته ، وتوسمت فيه كذا : أي رأيت فيه علامته قوله : ( في جاعرتيه ) بالجيم والعين المهملة بعدها راء مهملة . والجاعرتان : حرفا الورك المشرفان مما يلي الدبر .

قال النووي : وأما القائل فوالله لا أسمه إلا في أقصى شيء من الوجه فقد قال القاضي عياض : هو العباس بن عبد المطلب ، كذا ذكره في سنن أبي داود ، وكذا صرح به في رواية البخاري في تاريخه قال القاضي : وهو في كتاب مسلم مستشكل يوهم أنه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - والصواب أنه من قول العباس كما ذكرناه . قال النووي : ليس هو بظاهر فيه بل ظاهره أنه من كلام ابن عباس ، وحينئذ فيجوز أن تكون القضية جرت للعباس ولابنه . قال النووي : يستحب أن يسم الغنم في آذانها والإبل والبقر في أصول أفخاذها لأنه موضع صلب فيقل الألم فيه ويخف شعره فيظهر الوسم .

وفائدة الوسم تمييز الحيوان بعضه من بعض . ويستحب أن يكتب في ماشية الجزية جزية أو صغار ، وفي ماشية الزكاة زكاة أو صدقة . قال الشافعي وأصحابه : يستحب كون ميسم الغنم ألطف من ميسم البقر ، والبقر ألطف من ميسم الإبل . وحكى الاستحباب النووي عن الصحابة كلهم وجماهير العلماء بعدهم . ونقل ابن الصباغ وغيره إجماع الصحابة عليه . وقال أبو حنيفة : هو مكروه لأنه تعذيب ومثلة ، وقد نهي عن المثلة . وحجة الجمهور هذه الأحاديث وغيرها ، والجواب عن النهي عن المثلة والتعذيب أنه عام ، وحديث الوسم خاص ، فوجب تقديمه كما تقرر في الأصول

التالي السابق


الخدمات العلمية