صفحة جزء
باب ما جاء في المسابقة على الأقدام والمصارعة واللعب بالحراب وغير ذلك .

3547 - { عن عائشة قالت : سابقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبقته ، فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني ، فقال : هذه بتلك } رواه أحمد وأبو داود .

3548 - ( وعن سلمة بن الأكوع قال : { بينا نحن نسير ، وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا فجعل يقول : ألا مسابق إلى المدينة ؟ هل من مسابق ، فقلت : أما تكرم كريما ، ولا تهاب شريفا ؟ قال : لا إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ذرني فلأسابق الرجل ، قال : إن شئت ، قال : فسبقته إلى المدينة } مختصرا من أحمد ومسلم ) .

[ ص: 104 ] ( وعن محمد بن علي بن ركانة : { أن ركانة صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - } رواه أبو داود ) .

3550 - ( وعن أبي هريرة قال : { بينا الحبشة يلعبون عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دعهم يا عمر } متفق عليه وللبخاري في رواية : في المسجد ) .

3551 - ( وعن أنس : { لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة لعبت الحبشة لقدومه بحرابهم فرحا بذلك } متفق عليه ) .

3552 - ( وعن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - { رأى رجلا يتبع حمامة ، فقال : شيطان يتبع شيطانة } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وقال : " يتبع شيطانا " )


حديث عائشة أخرجه أيضا الشافعي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عنها ، واختلف فيه على هشام ، فقيل هكذا ، وقيل عن رجل عن أبي سلمة عنها ، وقيل عن أبيه وعن أبي سلمة عن عائشة وحديث محمد بن علي بن ركانة في إسناده أبو الحسن العسقلاني وهو مجهول ، وأخرجه أيضا الترمذي من حديث أبي الحسن العسقلاني عن أبي جعفر محمد بن ركانة وقال : غريب وليس إسناده بالقائم وروى أبو داود في المراسيل عن سعيد بن جبير قال { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبطحاء ، فأتى عليه يزيد بن ركانة أو ركانة بن يزيد ومعه عير له ، فقال له : يا محمد هل لك أن تصارعني ؟ فقال : ما تسبقني ؟ قال : شاة من غنمي ، فصارعه فصرعه ، فأخذ الشاة ، فقال ركانة : هل لك في العودة ؟ ففعل ذلك مرارا ، فقال : يا محمد ما وضع جنبي أحد إلى الأرض وما أنت بالذي تصرعني ، فأسلم ورد النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه غنمه } قال الحافظ : إسناده صحيح إلى سعيد بن جبير إلا أن سعيدا لم يدرك ركانة . قال البيهقي : وروي موصولا .

وفي كتاب السبق لأبي الشيخ من رواية عبيد الله بن يزيد المصري عن حماد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مطولا . ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث أبي أمامة مطولا وإسنادهما ضعيف وروى عبد الرزاق عن [ ص: 105 ] معمر عن يزيد بن أبي زياد ، وأحسبه عن عبد الله بن الحارث قال : { صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ركانة في الجاهلية ، وكان شديدا ، فقال : شاة بشاة ، فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : عاودني في أخرى ، فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : عاودني ، فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - الثالثة ، فقال أبو ركانة : ماذا أقول لأهلي ؟ شاة أكلها الذئب ، وشاة نشزت ، فما أقول في الثالثة ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك فنغرمك ، خذ غنمك } هكذا وقع فيه أبو ركانة ، والصواب ركانة وحديث أبي هريرة الثاني في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة الليثي استشهد به مسلم ووثقه ابن معين ومحمد بن يحيى الذهلي والنسائي وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وقال ابن معين مرة : ما زال الناس يتقون حديثه . وقال السعدي : ليس بالقوي . وغمزه الإمام مالك وقال ابن المديني : سألت يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة كيف هو ؟ قال : تريد العفو أو تشدد ؟ قلت : بل أشدد ، قال : فليس هو ممن تريد . قوله : ( حتى إذا أرهقني اللحم ) أي كثر لحمي ، قال في القاموس أرهقه طغيانا غشاه إياه ، وقال : رهقه كفرح غشيه .

وفي الحديثين دليل على مشروعية المسابقة على الأرجل وبين الرجال والنساء المحارم وأن مثل ذلك لا ينافي الوقار والشرف والعلم والفضل وعلو السن فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج عائشة إلا بعد الخمسين من عمره . ولا فرق بين الخلاء والملأ لما في حديث سلمة .

قوله : ( أن ركانة صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - ) فيه دليل على جواز المصارعة بين المسلم والكافر وهكذا بين المسلمين ، ولا سيما إذا كان مطلوبا لا طالبا ، وكان يرجو حصول خصلة من خصال الخير بذلك أو كسر سورة كبر متكبر أو وضع مترفع بإظهار الغلب له ، وكما روي من مصارعته - صلى الله عليه وسلم - ركانة روي أنه تصارع هو وأبو جهل قال الحافظ عبد الغني : ما روي من مصارعة النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا جهل لا أصل له .

وحديث ركانة أمثل ما روي في مصارعة النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : ( يلعبون عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بحرابهم ) فيه جواز ذلك في المسجد كما في الرواية الثانية . وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقرآن والسنة . أما القرآن فقوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع } وأما السنة فحديث : { جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم } وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما ادعاه ولا عرف للتاريخ فيثبت النسخ وحكى بعض المالكية عن مالك " أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد " ، وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث . واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو .

قال المهلب : المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه ، وفي الحديث [ ص: 106 ] جواز النظر إلى اللهو المباح . قوله : ( ودخل عمر . . . إلخ ) قال ابن التين : يحتمل أن يكون عمر لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يعلم أنه رآهم أو ظن أنه رآهم واستحيا أن يمنعهم ، وهذا أولى لقوله في الحديث " يلعبون عند النبي - صلى الله عليه وسلم - " ويحتمل أن يكون إنكاره لهذه شبيها لإنكاره على المغنيتين وكان من شدته في الدين ينكر خلاف الأولى ، والجد في الجملة أولى من اللعب المباح . وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان بصدد بيان الجواز . قوله : ( فقال شيطان . . . إلخ ) فيه دليل على كراهة اللعب بالحمام وأنه من اللهو الذي لم يؤذن فيه ، وقد قال بكراهته جمع من العلماء ، ولا يبعد على فرض انتهاض الحديث تحريمه ; لأن تسمية فاعله شيطانا يدل على ذلك ، وتسمية الحمامة شيطانة إما لأنها سبب اتباع الرجل لها أو أنها تفعل فعل الشيطان حيث يتولع الإنسان بمتابعتها واللعب بها لحسن صورتها وجودة نغمتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية