صفحة جزء
باب ما يباح من الحيوان الإنسي 3571 - ( عن جابر : { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل } . متفق عليه ، وهو للنسائي وأبي داود .

وفي لفظ : { أطعمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحوم الخيل ، ونهانا عن لحوم الحمر } . رواه الترمذي وصححه .

وفي لفظ : { سافرنا ، يعني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكنا نأكل لحوم الخيل ونشرب ألبانها } . رواه الدارقطني ) . 3572 - ( وعن أسماء بنت أبي بكر قالت : { ذبحنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسا ونحن بالمدينة فأكلناه } . متفق عليه . ولفظ أحمد : { ذبحنا فرسا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكلناه نحن وأهل بيته } ) .

3573 - ( وعن أبي موسى قال : { رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل لحم دجاج } . متفق عليه ) .


قوله : ( نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ) فيه دليل على تحريمها ، وسيأتي الكلام على ذلك . قوله : ( وأذن في لحوم الخيل ) استدل به القائلون بحل أكلها . قال الطحاوي : ذهب أبو حنيفة إلى كراهة أكل الخيل وخالفه صاحباه وغيرهما .

واحتجوا بالأخبار [ ص: 126 ] المتواترة في حلها ، ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر لما كان بين الخيل والحمر الأهلية فرق ، ولكن الآثار إذا صحت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى أن نقول بها مما يوجبه النظر ولا سيما وقد أخبر جابر أنه - صلى الله عليه وسلم - { أباح لهم لحوم الخيل في الوقت الذي منعهم فيه من لحوم الحمر } فدل ذلك على اختلاف حكمهما . قال الحافظ : وقد نقل الحل بعض التابعين عن الصحابة من غير استثناء أحد ، فأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح على شرط الشيخين عن عطاء أنه قال لابن جريج : لم يزل سلفك يأكلونه ، قال ابن جريج : قلت : أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : نعم . وأما ما نقل في ذلك عن ابن عباس من كراهتها فأخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بسندين ضعيفين ، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا عن ابن عباس أنه استدل لحل الحمر الأهلية بقوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي } الآية ، وذلك يقوي أنه من القائلين بالحل .

وأخرج الدارقطني عنه بسند قوي قال : { نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الحمر الأهلية وأمر بلحوم الخيل } قال في الفتح : وصح القول بالكراهة عن الحكم بن عتيبة ومالك وبعض الحنفية ، وعن بعض المالكية والحنفية التحريم ، قال الفاكهاني : المشهور عند المالكية الكراهة ، والصحيح عند المحققين منهم التحريم ، وقد صحح صاحب المحيط والهداية والذخيرة عن أبي حنيفة التحريم ، وإليه ذهبت العترة كما حكاه في البحر ، ولكنه حكى الحل عن زيد بن علي .

واستدل القائلون بالتحريم بما رواه الطحاوي وابن حزم من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال : { نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الحمر والخيل والبغال } .

قال الطحاوي : أهل الحديث يضعفون عكرمة بن عمار ، قال الحافظ : لا سيما في يحيى بن أبي كثير ، فإن عكرمة وإن كان مختلفا في توثيقه قد أخرج له مسلم ، لكن إنما أخرج له من غير روايته عن يحيى بن أبي كثير . وقال يحيى بن سعيد القطان : أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعيفة . وقال البخاري : حديثه عن يحيى مضطرب . وقال النسائي : ليس به بأس إلا في يحيى . وقال أحمد : حديثه من غير إياس بن سلمة مضطرب . وعلى تقدير صحة هذه الطريق فقد اختلف على عكرمة فيها ، فإن الحديث عند أحمد والترمذي من طريقه ليس فيه للخيل ذكر ، وعلى تقدير أن يكون الذي زاده حفظه ، فالروايات المتنوعة عن جابر المفصلة بين لحوم الخيل والحمر في الحكم أظهر اتصالا وأتقن رجالا وأكثر عددا .

ومن أدلتهم ما رواه في السنن من حديث خالد بن الوليد { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى يوم خيبر عن لحوم الخيل } .

وتعقب بأنه شاذ منكر لأن في سياقه أنه شهد خيبر وهو خطأ فإنه لم يسلم إلا بعدها على الصحيح . وقد روي الحديث من طريق أخرى عن خالد وفيها مجهول . ولا يقال : إن جابر أيضا لم يشهد خيبر كما أعل الحديث بذلك بعض الحنفية . إلا أننا نقول : [ ص: 127 ] ذلك ليس بعلة مع عدم التصريح بحضوره ، فغايته أن يكون من مراسيل الصحابة . وأما الرواية الثانية عنه المذكورة في الباب { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطعمهم لحوم الخيل } وفي الأخرى " أنهم سافروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - " فليس في ذلك تصريح بأنه كان في خيبر فيمكن أن يكون في غيرها ، ولو فرضنا ثبوت حديث خالد وسلامته عن العلل لم ينتهض لمعارضة حديث جابر وأسماء المتفق عليهما مع أنه قد ضعف حديث خالد أحمد والبخاري وموسى بن هارون والدارقطني والخطابي وابن عبد البر وعبد الحق وآخرون .

ومن جملة ما استدل به القائلون بالتحريم قوله تعالى: { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } وقد تمسك بها أكثر القائلين بالتحريم ، وقرروا ذلك بأن اللام للتعليل ، فدل على أنها لم تخلق لغير ذلك لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر ، فإباحة أكلها تقتضي خلاف الظاهر من الآية ، وقرروه أيضا بأن العطف يشعر بالاشتراك في الحكم ، وبأن الآية سيقت مساق الامتنان ، فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم . وأجيب إجمالا بأن الآية مكية اتفاقا ، والإذن كان بعد الهجرة ، وأيضا ليست نصا في منع الأكل ، والحديث صريح في الحل .

وأجيب أيضا تفصيلا بأنا لو سلمنا أن اللام للعلة لم نسلم إفادته الحصر في الركوب والزينة فإنه ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير الأكل اتفاقا ، ونظير ذلك حديث البقرة المذكور في الصحيحين حين خاطبت راكبها فقالت : إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث ، فإنه مع كونه أصرح في الحصر لكونه بإنما مع اللام لا يستدل به على تحريم أكلها ، وإنما المراد الأغلب من المنافع وهو الركوب في الخيل والتزين بها والحرث في البقر . وأيضا يلزم المستدل بالآية أنه لا يجوز حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير ولا قائل به . وأما الاستدلال بالعطف فغايته دلالة الاقتران وهي من الضعف بمكان . وأما الاستدلال بالامتنان فهو باعتبار غالب المنافع . قوله : ( ذبحنا فرسا ) لفظ البخاري " نحرنا فرسا " وقد جمع بين الروايتين بحمل النحر على الذبح مجازا ، وقد وقع ذلك مرتين قوله : ( يأكل لحم دجاج ) هو اسم جنس مثلث الدال ، ذكره المنذري وابن مالك وغيرهما ، ولم يحك النووي أن ذلك مثلث ، وقيل : إن الضم ضعيف . قال الجوهري : دخلتها التاء للوحدة مثل الحمامة . وقال إبراهيم الحربي : إن الدجاجة بالكسر اسم للذكران دون الإناث والواحد منها ديك ، وبالفتح الإناث دون الذكران والواحدة دجاجة بالفتح أيضا وفي القاموس : والدجاجة معروف للذكر والأنثى وتثلث ا هـ ، وقد تقدم نقله .

وفي الحديث قصة : وهو أن رجلا امتنع من أكل الدجاج وحلف على ذلك فأفتاه أبو موسى بأنه يكفر عن يمينه ويأكل وقص له الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية