صفحة جزء
باب النهي عن الحمر الإنسية [ ص: 128 ] ( عن أبي ثعلبة الخشني قال : { حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحوم الحمر الأهلية } . متفق عليه ، وزاد أحمد : { ولحم كل ذي ناب من السباع } ) .

3575 - ( وعن البراء بن عازب قال : { نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية نضيجا ونيئا } ) . 3576 - ( وعن ابن عمر قال : { أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية } متفق عليهما ) .

3577 - ( وعن ابن أبي أوفى قال : { نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الحمر } . رواه أحمد والبخاري ) . 3578 - وعن زاهر الأسلمي وكان ممن شهد الشجرة قال { : إني لأوقد تحت القدور بلحوم الحمر إذ نادى مناد : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهاكم عن لحوم الحمر } . 3579 - ( وعن عمرو بن دينار قال : قلت لجابر بن زيد : { يزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحمر الأهلية ، قال : قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة ، ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس ، وقرأ : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } } رواهما البخاري ) .

3580 - ( وعن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - { حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع والمجثمة والحمار الإنسي } . رواه أحمد والترمذي وصححه ) .

3581 - ( وعن ابن أبي أوفى قال : { أصابتنا مجاعة ليالي خيبر ، فلما كان يوم [ ص: 129 ] خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها ، فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أكفئوا القدور لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا ، فقال ناس : إنما نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنها لم تخمس ، وقال آخرون : نهى عنها ألبتة } . متفق عليه . وقد ثبت النهي من رواية علي وأنس وقد ذكرا ) .


قوله : ( الإنسية ) قال في الفتح : بكسر الهمزة وسكون النون منسوبة إلى الإنس ، ويقال فيه أنسية بفتحتين . وزعم ابن الأثير أن في كلام أبي موسى المديني ما يقتضي أنها بالضم ثم السكون ، وقد صرح الجوهري أن الأنس بفتحتين ضد الوحشة ، ولم يقع في شيء من روايات الحديث بضم ثم سكون مع احتمال جوازه ، نعم زيف أبو موسى الرواية بكسر أوله ثم السكون ، فقال ابن الأثير : إن أراد من جهة الرواية وإلا فهو ثابت في اللغة ، والمراد بالإنسية : الأهلية كما وقع في سائر الروايات .

ويؤخذ من التقييد بها جواز أكل الحمر الوحشية ، ولعله يأتي البحث عنها إن شاء الله . قوله : ( إذ نادى منادي ) وقع عند مسلم أن الذي نادى بذلك أبو طلحة ، ووقع عند مسلم أيضا بلالا نادى بذلك ، وعند النسائي أن المنادي بذلك عبد الرحمن بن عوف ، ولعل عبد الرحمن نادى أولا بالنهي مطلقا ، ثم نادى أبو طلحة بزيادة على ذلك وهو قوله : " فإنها رجس " قوله : وقرأ { قل لا أجد } الآية ، هذا الاستدلال إنما يتم في الأشياء التي لم يرد النص بتحريمها .

وأما الحمر الإنسية فقد تواترت النصوص على ذلك ، والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل وعلى القياس . وأيضا الآية مكية . وقد روي عن ابن عباس أنه قال : { إنما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحمر الأهلية مخافة قلة الظهر } رواه ابن ماجه والطبراني وإسناده ضعيف .

وفي البخاري في المغازي أن ابن عباس تردد هل كان النهي لمعنى خاص أو للتأبيد ؟ وعن بعضهم : إنما نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنها كانت تأكل العذرة .

وفي حديث ابن أبي أوفى المذكور في الباب ، فقال ناس : إنما نهى عنها لأنها لم تخمس . قال الحافظ : وقد أزال هذه الاحتمالات من كونها لم تخمس أو كانت جلالة أو غيرهما حديث أنس حيث جاء فيه " فإنها رجس " وكذلك الأمر بغسل الإناء في حديث سلمة انتهى . والحديثان متفق عليهما ، وقد تقدما في أول الكتاب في باب نجاسة لحم الحيوان الذي لا يؤكل إذا ذبح من كتاب الطهارة . قال القرطبي : ظاهره أن الضمير في إنها رجس عائد على الحمر لأنها المتحدث عنها المأمور بإكفائها من القدور وغسلها ، وهذا حكم النجس فيستفاد منه تحريم أكلها لعينها لا لمعنى خارج . وقال ابن دقيق العيد : الأمر بإكفاء القدور ظاهر أنه بسبب تحريم لحم الحمر . قال الحافظ : وقد وردت علل أخر إن صح رفع شيء [ ص: 130 ] منها وجب المصير إليه ، لكن لا مانع أن يعلل الحكم بأكثر من علة . وحديث أبي ثعلبة صريح في التحريم فلا معدل عنه .

وأما التعليل بخشية قلة الظهر فأجاب عنه الطحاوي بالمعارضة بالخيل ، فإن في حديث جابر النهي عن الحمر والإذن في الخيل مقرونان ، فلو كانت العلة لأجل الحمولة لكانت الخيل أولى بالمنع لقلتها عندهم وعزتها وشدة حاجتهم إليها . قال النووي : قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم ولم نجد عن أحد من الصحابة في ذلك خلافا إلا عن ابن عباس ، وعند مالك ثلاث روايات ثالثها الكراهة .

وقد أخرج أبو داود عن غالب بن أبجر قال { أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : إنك حرمت لحوم الحمر الأهلية وقد أصابتنا سنة ، قال : أطعم أهلك من سمين حمرك ، فإنما حرمتها من أجل جوال القرية } بفتح الجيم وتشديد اللام جمع جالة ، مثل سوام جمع سامة بتشديد الميم وهوام جمع هامة : يعني الجلالة وهي التي تأكل العذرة . والحديث لا تقوم به حجة . قال الحافظ : إسناده ضعيف : والمتن شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة فلا اعتماد عليه .

وقال المنذري : اختلف في إسناده كثيرا . وقال البيهقي : إسناده مضطرب . قال ابن عبد البر : روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحريم الحمر الأهلية علي عليه السلام وعبد الله بن عمر بن عمرو وجابر والبراء وعبد الله بن أبي أوفى وأنس وزاهر الأسلمي بأسانيد صحاح وحسان . وحديث غالب بن أبجر لا يعرج على مثله مع ما يعارضه ويحتمل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص لهم في مجاعتهم وبين علة تحريمها المطلق بكونها تأكل العذرات . وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني عن أم نصر المحاربية { أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحمر الأهلية فقال : أليس ترعى الكلأ وتأكل الشجر ؟ قال : نعم : قال : فأصب من لحومها } وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق رجل من بني مرة قال : سألت فذكر نحوه . فقال الحافظ في السندين مقال ، ولو ثبتا احتمل أن يكون قبل التحريم . قال الطحاوي : لولا تواتر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتحريم الحمر الأهلية لكان النظر يقتضي حلها ، لأن كل ما حرم من الأهلي أجمع على تحريمه إذا كان وحشيا كالخنزير ، وقد أجمع على حل الوحشي فكان النظر يقتضي حل الحمار الأهلي . قال في الفتح : وما ادعاه من الإجماع مردود ، فإن كثيرا من الحيوان الأهلي مختلف في نظيره الحيوان الوحشي كالهر . قوله : ( كل ذي ناب من السباع ) سيأتي الكلام فيه قوله : ( المجثمة ) بضم الميم وفتح وتشديد المثلثة على صيغة اسم المفعول ، وهي كل حيوان ينصب ويقتل ، إلا إنها قد كثرت في الطير والأرنب وما يجثم في الأرض : أي يلزمها ، والجثم في الأصل : لزوم المكان أو الوقوع على الصدر أو التلبد بالأرض كما في القاموس ، التجثيم نوع من المثلة . .

التالي السابق


الخدمات العلمية