صفحة جزء
أبواب الأغسال المستحبة . باب غسل الجمعة

309 - ( عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا جاء أحدكم إلى الجمعة [ ص: 290 ] فليغتسل } . رواه الجماعة ، ولمسلم : { إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل } . )


الحديث له طرق كثيرة ، ورواه غير واحد من الأئمة ، وعد ابن منده من رواه عن نافع فبلغوا فوق ثلثمائة نفس ، وعد من رواه من الصحابة غير ابن عمر ، فبلغوا أربعة وعشرين صحابيا . قال الحافظ : وقد جمعت طرقه عن نافع فبلغوا مائة وعشرين نفسا .

وفي الغسل في يوم الجمعة أحاديث غير ما ذكر المصنف منها عن جابر عند النسائي . وعن البراء عند ابن أبي شيبة في المصنف . وعن أنس عند ابن عدي في الكامل . وعن بريدة عند البزار . وعن ثوبان عند البزار أيضا . وعن سهل بن حنيف عند الطبراني . وعن عبد الله بن الزبير عند الطبراني أيضا . وعن ابن عباس عند ابن ماجه . وعن عبد الله بن عمر حديث آخر عند الطبراني . وعن ابن مسعود عند البزار . وعن حفصة عند أبي داود .

وفي الباب عن جماعة من الصحابة يأتي ذكرهم في أبواب الجمعة إن شاء الله .

والحديث يدل على مشروعية غسل الجمعة ، وقد اختلف الناس في ذلك ، قال النووي : فحكي وجوبه عن طائفة من السلف ، حكوه عن بعض الصحابة ، وبه قال أهل الظاهر . وحكاه ابن المنذر عن مالك ، وحكاه الخطابي عن الحسن البصري ومالك ، وحكاه ابن المنذر أيضا عن أبي هريرة وعمار وغيرهما . وحكاه ابن حزم عن عمر وجمع من الصحابة ومن بعدهم . وحكي عن ابن خزيمة ، وحكاه شارح الغنية لابن سريج قولا للشافعي .

وقد حكى الخطابي وغيره الإجماع على أن الغسل ليس شرطا في صحة الصلاة ، وأنها تصح بدونه . وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلى أنه مستحب . قال القاضي عياض : وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه . واستدل الأولون على وجوبه بالأحاديث التي أوردها المصنف رحمه الله تعالىفي هذا الباب ، وفي بعضها التصريح بلفظ الوجوب ، وفي بعضها الأمر به ، وفي بعضها أنه حق على كل مسلم ، والوجوب يثبت بأقل من هذا . واحتج الآخرون لعدم الوجوب بحديث : { من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام } أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة .

قال القرطبي في تقرير الاستدلال بهذا الحديث على الاستحباب ما لفظه : ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه الثواب المقتضي للصحة ، يدل على أن الوضوء كاف . قال ابن حجر في التلخيص : إنه من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة ، واحتجوا أيضا لعدم الوجوب بحديث سمرة الآتي لقوله فيه { : ومن اغتسل فالغسل أفضل } فدل على اشتراك الغسل والوضوء في أصل الفضل وعدم تحتم الغسل .

وبحديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب ، وقد ترك الغسل ، قال النووي : [ ص: 291 ] وجه الدلالة أن الرجل فعله ، وأقره عمر ، ومن حضر ذلك الجمع ، وهم أهل الحل والعقد ، ولو كان واجبا لما تركه ولألزموه به ، وبحديث أبي سعيد الآتي ، ووجه دلالته على ذلك ما ذكره المصنف . وبحديث أوس الثقفي ، وسيأتي في هذا الباب . ووجه دلالته جعله قرينا للتبكير والمشي والدنو من الإمام ، وليست بواجبة فيكون مثلها .

وبحديث عائشة الآتي ، ووجه دلالته أنهم إنما أمروا بالاغتسال لأجل تلك الروائح الكريهة ، فإذا زالت زال الوجوب . وأجابوا عن الأحاديث التي صرح فيها بالأمر ، أنها محمولة على الندب والقرينة الصارفة عن الوجوب هذه الأدلة المتعاضدة ، والجمع بين الأدلة ما أمكن هو الواجب ، وقد أمكن بهذا . وأما قوله : واجب ، وقوله حق ، فالمراد متأكد في حقه ، كما يقول الرجل لصاحبه : حقك علي ، ومواصلتك حق علي ، وليس المراد الوجوب المتحتم المستلزم للعقاب ، بل المراد أن ذلك متأكد حقيق بأن لا يخل به ، واستضعفه ابن دقيق العيد وقال : إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا في الدلالة على هذا لظاهر ، وأقوى ما عارضوا به حديث : { من توضأ يوم الجمعة } ولا يقاوم سنده سند هذه الأحاديث ، انتهى .

وأما حديث { من توضأ فأحسن الوضوء } فقال الحافظ في الفتح : ليس فيه نفي الغسل ، وقد ورد من وجه آخر في الصحيح بلفظ : " من اغتسل " فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء انتهى . وأما حديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب وهو عثمان كما سيأتي ، فما أراه إلا حجة على القائل بالاستحباب لا له ; لأن إنكار عمر على رأس المنبر في ذلك الجمع على مثل ذلك الصحابي الجليل ، وتقرير جمع الحاضرين الذين هم جمهور الصحابة لما وقع من ذلك الإنكار ، من أعظم الأدلة القاضية بأن الوجوب كان معلوما عند الصحابة ، ولو كان الأمر عندهم على عدم الوجوب لما عول ذلك الصحابي في الاعتذار على غيره ، فأي تقرير من عمر ومن حضر بعد هذا .

ولعل النووي ومن معه ظنوا أنه لو كان الاغتسال واجبا لنزل عمر من منبره ، وأخذ بيد ذلك الصحابي وذهب به إلى المغتسل ، أو لقال له : لا تقف في هذا الجمع أو اذهب فاغتسل فإنا سننظرك أو ما أشبه ذلك ، مثل هذا لا يجب على من رأى الإخلال بواجب من واجبات الشرعية ، وغاية ما كلفنا به في إنكار على من ترك واجبا هو ما فعله عمر في هذه الواقعة على أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار ، كما قال الحافظ في الفتح ، لما ثبت في صحيح مسلم عن حمران مولى عثمان أن عثمان لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفيض عليه الماء ، وإنما لم يعتذر لعمر بذلك كما اعتذر عن التأخر ; لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة .

وقد حكى ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه ، أن قصة عمر وعثمان تدل على وجوب الغسل لا على عدم وجوبه [ ص: 292 ] من جهة ترك عمر الخطبة واشتغاله بمعاتبة عثمان وتوبيخ مثله على رءوس الناس ، ولو كان الترك مباحا لما فعل عمر ذلك . وأما حديث أبي سعيد الآتي ، فقد تقرر ضعف دلالة الاقتران ولا سيما بجنب مثل أحاديث الباب .

وقد قال ابن الجوزي في الجواب على المستدلين بهذا الحديث على عدم الوجوب : إنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف . وقال ابن المنير إن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه ; لأن للقائل أن يقول : خرج بدليل ، فبقي ما عداه على الأصل . وأما حديث أوس الثقفي فليس فيه أيضا إلا الاستدلال بالاقتران . وأما حديث عائشة فلا نسلم أنها إذا زالت العلة زال الوجوب مسندين ذلك بوجوب السعي مع زوال العلة التي شرع لها ، وهي إغاظة المشركين ، وكذلك وجوب الرمي مع زوال ما شرع له ، وهو ظهور الشيطان بذلك المكان ، وكم لهذا من نظائر لو تتبعت لجاءت في رسالة مستقلة ، قال في الفتح : وأجيب عن حديث عائشة بأنه ليس في نفي الوجوب ، وبأنه سابق على الأمر به ، والإعلام بوجوبه به ، وبهذا يتبين لك عدم انتهاض ما جاء به الجمهور من الأدلة على عدم الوجوب ، وعدم إمكان الجمع بينها وبين أحاديث الوجوب ; لأنه وإن أمكن بالنسبة إلى الأوامر لم يكن بالنسبة إلى لفظ واجب وحق إلا بتعسف لا يلجئ طلب الجمع إلى مثله ، ولا يشك من له أدنى إلمام بهذا الشأن أن أحاديث الوجوب أرجح من الأحاديث القاضية بعدهما ; لأن أوضحها دلالة على ذلك حديث سمرة ، وهو غير سالم من مقال وسنبينه .

وأما بقية الأحاديث فليس فيها إلا مجرد استنباطات واهية ، وقد دل حديث الباب أيضا على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة ، والمراد إرادة المجيء وقصد الشروع فيه ، وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال . اشتراط الاتصال بين الغسل والرواح ، وإليه ذهب مالك . والثاني : عدم الاشتراط لكن لا يجزي فعله بعد صلاة الجمعة ، ويستحب تأخيره إلى الذهاب ، وإليه ذهب الجمهور . والثالث : أنه لا يشترط تقديم الغسل على صلاة الجمعة بل لو اغتسل قبل الغروب أجزأ عنه ، وإليه ذهب داود ، ونصره ابن حزم ، واستبعده ابن دقيق العيد ، وقال : يكاد يجزم ببطلانه ، وادعى ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة ، واستدل مالك بحديث الباب ونحوه .

واستدل الجمهور وداود بالأحاديث التي أطلق فيها يوم الجمعة ، لكن استدل الجمهور على عدم الاجتزاء به بعد الصلاة بأن الغسل لإزالة الروائح الكريهة ، والمقصود عدم تأذي الحاضرين ، وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة . والظاهر ما ذهب إليه مالك ; لأن حمل الأحاديث التي أطلق فيها اليوم على حديث الباب المقيد بساعة من ساعاته واجب . والمراد بالجمعة اسم سبب الاجتماع ، وهو الصلاة لا اسم [ ص: 293 ] اليوم كذا قيل ، وفي القاموس والجمعة المجموعة ويوم الجمعة ، وقيل : إنما سمي يوم الجمعة ; لأن خلق آدم جمع فيه ، أخرجه أحمد وابن خزيمة وغيرهما من حديث سليمان . وله شاهد من حديث أبي هريرة ، أخرجه أحمد بإسناد ضعيف ، وابن أبي حاتم بسند قوي موقوف .

قال الحافظ : إن هذا أصح الأقوال ، ولكنه لا يصح أن يراد في الحديث إلا الصلاة ; لأن اليوم لا يؤتى ، وكذلك غيره ، وأخرج ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما مرفوعا : { من أتى الجمعة فليغتسل } زاد ابن خزيمة { ومن لم يأتها فلا يغتسل } .

310 - ( وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ، والسواك وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه } . متفق عليه ) . وقد اتفق السبعة على إخراج قوله : " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " . قوله : ( وأن يمس ) يجوز فتح الميم وضمها ، وزاد في رواية لمسلم وغيره { ولو من طيب المرأة }

وهو المكروه للرجال ، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه . فأباحه للرجل هنا للضرورة لعدم غيره ، وهو يدل على تأكده . وقوله : ( ما يقدر عليه ) قال القاضي عياض : محتمل لتكثيره ، ومحتمل لتأكيده حتى يفعله بما أمكنه . والحديث يدل على وجوب غسل يوم الجمعة للتصريح فيه بلفظ : واجب . وقد استدل به على عدم الوجوب باعتبار اقترانه بالسواك ومس الطيب . قال المصنف رحمه الله تعالى: وهذا يدل على أنه أراد بلفظ الوجوب تأكيد استحبابه كما تقول : حقك علي واجب ، والعدة دين بدليل أنه قرنه بما ليس بواجب بالإجماع ، وهو السواك والطيب انتهى .

وقد عرفناك ضعف دلالة الاقتران عن ذلك ، وغايتها الصلاحية لصرف الأوامر ، وأما صرف لفظ واجب وحق فلا ، والكلام قد سبق مبسوطا في الذي قبله .

311 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده } . متفق عليه ) . الحديث من أدلة القائلين بوجوب غسل الجمعة ، وقد تقدم الكلام عليه في أول الباب ، وقد تبين في الروايات الأخر أن هذا اليوم هو يوم الجمعة .

312 - ( وعن ابن عمر { أن عمر بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل [ ص: 294 ] من المهاجرين الأولين ، فناداه عمر : أية ساعة هذه ؟ فقال : إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد على أن توضأت ، قال : والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل } . متفق عليه ) . الرجل المذكور هو عثمان كما بين في رواية لمسلم وغيره ، قال ابن عبد البر : ولا أعلم خلافا في ذلك .

قوله : ( أية ساعة هذه ) قال ذلك توبيخا له وإنكارا لتأخره إلى هذا الوقت .

قوله : ( الوضوء أيضا ) هو منصوب أي توضأت الوضوء ، قاله الأزهري وغيره ، فيه إنكار ثان مضافا إلى الأول أي الوضوء أيضا اقتصرت عليه ، واخترته دون الغسل . والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل ، واقتصرت على الوضوء .

وجوز . القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف ، أي والوضوء أيضا يقتصر عليه . قال في الفتح : وأغرب السهيلي فقال : اتفق الرواة على الرفع ; لأن النصب يخرجه إلى معنى الإنكار يعني والوضوء لا ينكر ، وجوابه ما تقدم . والحديث من أدلة القائلين بالوجوب لقوله : ( كان يأمر ) ، وقد تقدم الكلام على ذلك ، وفيه استحباب تفقد الإمام لرعيته ، وأمرهم بمصالح دينهم والإنكار على مخالف السنة ، وإن كان كبير القدر ، وجواز الإنكار في مجمع من الناس ، وجواز الكلام في الخطبة ، وحسن الاعتذار إلى ولاة الأمر .

وقد استدل بهذه القصة على عدم وجوب غسل الجمعة ، قد عرفناك فيما سبق عدم صلاحيتها لذلك .

313 - ( وعن سمرة بن جندب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : { من توضأ للجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فذلك أفضل } . رواه الخمسة إلا ابن ماجه فإنه رواه من حديث جابر بن سمرة ) . الحديث أخرجه ابن خزيمة ، وحسنه الترمذي ، وقد روي عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . قال في الإمام : من يحمل رواية الحسن عن سمرة على الاتصال يصحح هذا الحديث ، وهو مذهب علي بن المديني ، كما نقله عنه البخاري والترمذي والحاكم وغيرهم ، وقيل : لم يسمع منه إلا حديث العقيقة ، وهو قول البزار وغيره ، وقيل : لم يسمع منه شيئا ، وإنما يحدث من كتابه .

وروي من طريق الحسن عن أبي هريرة ، أخرجه البزار ، وهو وهم كما قال الحافظ .

وروي من طريق قتادة عن الحسن عن جابر . ومن [ ص: 295 ] طريق إبراهيم بن مهاجر عن الحسن عن أنس . قال الحافظ : وهذا الاختلاف فيه على الحسن وعلى قتادة لا يضر لضعف من وهم فيه ، والصواب كما قال الدارقطني عن قتادة عن الحسن عن سمرة وكذا قال العقيلي . ورواه ابن ماجه بسند ضعيف عن أنس . رواه الطبراني من حديثه في الأوسط بإسناد أمثل من ابن ماجه . ورواه البيهقي بإسناد فيه نظر من حديث ابن عباس ، وبإسناد فيه انقطاع من حديث جابر . ورواه عبد بن حميد والبزار في مسنديهما . وكذلك إسحاق بن راهويه من حديثه بإسناد فيه ضعف من حديث أبي سعيد . وله طريق أخرى في التمهيد فيها الربيع بن بدر وهو ضعيف .

والحديث دليل لمن قال بعدم وجوب غسل الجمعة ، وقد ذكرنا تقرير الاستدلال به على ذلك ، والجواب عليه أول الباب .

قوله : ( فبها ونعمت ) قال الأزهري : معناه فبالسنة أخذ ونعمت السنة ، قال الأصمعي : إنما ظهرت تاء التأنيث لإضمار السنة ، وقال الخطابي : ونعمت الخصلة . وقيل : ونعمت الرخصة ; لأن السنة الغسل ، قاله أبو حامد الشاركي وقال بعضهم : فبالفريضة أخذ ، ونعمت الفريضة .

314 - ( وعن عروة عن عائشة قالت : { كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء فيصيبهم الغبار والعرق فتخرج منهم الريح فأتى النبي صلى الله عليه وسلم إنسان منهم ، وهو عندي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا } . متفق عليه ) .

قوله : ( ينتابون الجمعة ) أي يأتونها ، والعوالي هي القرى التي حول المدينة على أربعة أميال منها .

قوله : ( في العباء ) هو بالمد وفتح العين المهملة : جمع عباءة بالمد وعباية بالياء لغتان مشهورتان . قوله : ( لو أنكم تطهرتم ) لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب ، أو للشرط ، والجواب محذوف تقديره لكان حسنا . الحديث استدل به من قال بعدم وجوب غسل الجمعة وقد قدمنا تقرير الاستدلال به ، والجواب عليه في أول الباب .

315 - ( وعن أوس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها } . رواه الخمسة ولم يذكر الترمذي : " ومشى ولم يركب " ) الحديث حسنه الترمذي ، وسكت عليه أبو داود والمنذري ، وقد اختلف فيه على [ ص: 296 ] أبي الأشعث ، وعلى عبد الرحمن بن يزيد ، وعلى عبد الله بن المبارك ، وقد رواه الطبراني بإسناد ، قال العراقي : حسن عن أوس المذكور ، ورواه أحمد في مسنده عنه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قوله : ( غسل ) روي بالتخفيف والتشديد ، قيل أراد غسل رأسه ، واغتسل أي غسل سائر بدنه ، وقيل : جامع زوجته فأوجب عليها الغسل ، فكأنه غسلها واغتسل في نفسه ، وقيل : كرر ذلك للتأكيد ، ويرجح التفسير الأول ما في رواية أبي داود في هذا الحديث بلفظ : { من غسل رأسه واغتسل } ، وما في البخاري عن طاوس قال : قلت لابن عباس : ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : اغتسلوا واغسلوا رءوسكم } الحديث ، وقال صاحب المحكم : غسل امرأته يغسلها غسلا أكثر نكاحها . وقال الزمخشري ويقال : غسل المرأة بالتخفيف والتشديد إذا جامعها ، وحكاه صاحب النهاية وغيره أيضا ، وقيل : المراد غسل أعضاء الوضوء ، واغتسل للجمعة ، وقيل : غسل ثيابه واغتسل لجسده .

قوله : ( بكر ) بالتشديد على المشهور ، أي راح في أول الوقت وابتكر أي أدرك أول الخطبة ، ورجحه العراقي ، وقيل : كرره للتأكيد .

وبه جزم ابن العربي والحديث يدل على مشروعية الغسل يوم الجمعة وقد تقدم الخلاف فيه ، وعلى مشروعية التبكير ، والمشي والدنو من الإمام ، والاستماع وترك اللغو ، وإن الجمع بين هذه الأمور سبب لاستحقاق ذلك الثواب الجزيل . .

التالي السابق


الخدمات العلمية