صفحة جزء
باب ما استفيد تحريمه من الأمر بقتله أو النهي عن قتله

3600 - ( عن عائشة قالت : { قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الحية ، والغراب الأبقع ، والفأرة ، والكلب العقور ، والحديا } رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي ) . [ ص: 141 ]

3601 - ( وعن سعد بن أبي وقاص : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - { أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا } . رواه أحمد ومسلم ، وللبخاري منه الأمر بقتله ) .

3602 - ( وعن أم شريك : { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الوزغ } . متفق عليه . زاد البخاري قال : وكان ينفخ على إبراهيم عليه السلام ) . 3603 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { من قتل وزغا في أول ضربة له مائة حسنة ، وفي الثانية دون ذلك . وفي الثالثة دون ذلك } رواه أحمد ومسلم ولابن ماجه والترمذي معناه ) .

3604 - ( وعن ابن عباس قال { : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل أربع من الدواب : النملة والنحلة والهدهد والصرد } . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ) .

3605 - ( وعن عبد الرحمن بن عثمان قال { : ذكر طبيب عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دواء ، وذكر الضفدع يجعل فيه ، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الضفدع } . رواه أحمد وأبو داود والنسائي ) .

3606 - ( وعن أبي لبابة قال { : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما اللذان يخطفان البصر ، ويتبعان ما في بطون النساء } متفق عليه ) .

3607 - ( وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { إن لبيوتكم عمارا فحرجوا عليهن ثلاثا ، فإن بدا لكم بعد ذلك شيء فاقتلوه } رواه أحمد ومسلم والترمذي .

وفي لفظ لمسلم " ثلاثة أيام " ) .


[ ص: 142 ] حديث ابن عباس قال الحافظ : رجاله رجال الصحيح . وقال البيهقي : هو أقوى ما ورد في هذا الباب . ثم رواه من حديث سهل بن سعد وزاد فيه " والضفدع " وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد وهو ضعيف .

وحديث عبد الرحمن بن عثمان أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ، قال البيهقي : ما ورد في النهي . وروى البيهقي من حديث أبي هريرة النهي عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد وفي إسناده إبراهيم بن الفضل وهو متروك .

وروى البيهقي أيضا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفا { لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح ، ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت المقدس قال : يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم } قال البيهقي : إسناده صحيح ، قال الحافظ : وإن كان إسناده صحيحا لكن عبد الله بن عمرو كان يأخذ عن الإسرائيليات .

ومن جملة ما نهى عنه قتل الخطاف . أخرج أبو داود في المراسيل من طريق عباد بن إسحاق عن أبيه قال : { نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الخطاطيف } ورواه البيهقي معضلا أيضا من طريق ابن أبي الحويرث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عباس ، وفيه الأمر بقتل العنكبوت .

وفيه عمرو بن جميع وهو كذاب . وقال البيهقي : روي فيه حديث مسند وفيه حمزة النصيبي وكان يرمى بالوضع . ومن ذلك الرخمة . أخرج ابن عدي والبيهقي عن ابن عباس { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل الرخمة } .

وفي إسناده خارجة بن مصعب وهو ضعيف جدا ومن ذلك العصفور .

أخرج الشافعي وأبو داود والحاكم من حديث عبد الله بن عمر . وقال صحيح الإسناد مرفوعا : { ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأل الله عنها قال : يا رسول الله وما حقها قال : يذبحها ويأكلها ولا يقطع رأسها ويطرحها } وأعله ابن القطان بصهيب مولى ابن عباس الراوي عن عبد الله فقال : لا يعرف حاله ورواه الشافعي وأحمد والنسائي وابن حبان عن عمرو بن الشريد عن أبيه مرفوعا : { من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله به يوم القيامة يقول : يا رب إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة } قوله : ( خمس فواسق . . . إلخ ) هذا الحديث قد تقدم الكلام عليه في كتاب الحج . قوله : أمر بقتل الوزغ قال : أهل اللغة هي من الحشرات المؤذيات وجمعه أوزاغ وسام أبرص جنس منه وهو كباره ، وتسميته فويسقا كتسمية الخمس فواسق ، وأصل الفسق الخروج ، والوزغ والخمس المذكورة خرجت عن خلق معظم الحشرات ونحوها بزيادة الضر والأذى .

قوله : ( وكان ينفخ في إبراهيم ) أي في النار ، وذلك لما جبل عليه طبعها من عداوة نوع الإنسان . قوله : ( في [ ص: 143 ] أول ضربة كتب له مائة حسنة ) في رواية أخرى " سبعون " قال النووي : مفهوم العدد لا يعمل به عند جمهور الأصوليين فذكر سبعين لا يمنع المائة فلا معارضة بينهما ، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بالسبعين ثم تصدق الله بالزيادة إلى المائة فأعلم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أوحي إليه بعد ذلك . ويحتمل أن ذلك يختلف باختلاف قاتل الوزغ بحسب نياتهم وإخلاصهم وكمال أحوالهم لتكون المائة للكامل منهم والسبعون لغيره . وأما سبب تكثير الثواب في قتله بأول ضربة ثم ما يليها فالمقصود به الحث على المبادرة بقتله والاعتناء به وتحريض قاتله على أن يقتله بأول ضربة فإنه إذا أراد أن يضربه ضربات ربما انفلت وفات قتله .

قوله : ( والصرد ) هو طائر فوق العصفور ، وأجاز مالك أكله ، وقال ابن العربي : إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتله لأن العرب كانت تشاءم به فنهى عن قتله ليزول ما في قلوبهم من اعتقاد التشاؤم .

وفي قول للشافعي مثل مالك لأنه أوجب فيه الجزاء على المحرم إذا قتله . وأما النمل فلعله إجماع على المنع من قتله . قال الخطابي : إن النهي الوارد في قتل النمل المراد به السليماني : أي لانتفاء الأذى منه دون الصغير ، وكذا في شرح السنة . وأما النحلة فقد روي إباحة أكلها عن بعض السلف . وأما الهدهد فقد روي أيضا حل أكله وهو مأخوذ من قول الشافعي إنه يلزم في قتله الفدية .

قوله : ( فنهى عن قتل الضفدع ) فيه دليل على تحريم أكلها بعد تسليم ، أن النهي عن القتل يستلزم تحريم الأكل . قال في القاموس : الضفدع كزبرج وجندب ودرهم وهذا أقل أو مردود : دابة نهرية . قوله : ( ينهى عن قتل الجنان ) هو بجيم مكسورة ونون مشددة : وهي الحيات جمع جان وهي الحية الصغيرة ، وقيل : الدقيقة الخفيفة ، وقيل : الدقيقة البيضاء قوله : ( إلا الأبتر ) هو قصير الذنب . وقال النضر بن شميل هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها . وهو المراد من قوله : " يتبعان ما في بطون النساء " أي يسقطان قوله : ( وذا الطفيتين ) هو بضم الطاء المهملة وإسكان الفاء : وهما الخطان الأبيضان على ظهر الحية ، وأصل الطفية : خوصة المقل وجمعها طفى ، شبه الخطين على ظهرها بخوصتي المقل .

قوله : ( يخطفان البصر ) أي يطمسانه بمجرد نظرهما إليه لخاصية جعلها الله تعالى في بصرهما إذا وقع على بصر الإنسان . قال النووي : قال العلماء : وفي الحيات نوع يسمى الناظر إذا وقع بصره على عين إنسان مات من ساعته . قوله : ( فحرجوا عليهن ثلاثا ) بحاء مهملة ثم راء مشددة ثم جيم ، والمراد به الإنذار . قال المازري والقاضي : لا تقتلوا حيات مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بإنذار كما جاء في الأحاديث ، فإذا أنذرها ولم تنصرف قتلها . وأما حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت فيندب قتلها من غير إنذار لعموم الأحاديث الصحيحة [ ص: 144 ] في الأمر بقتلها ، ففي الصحيح بلفظ : { اقتلوا الحيات } ومن ذلك حديث الخمس الفواسق المذكورة في أول الباب .

وفي حديث الحية الخارجة بمنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلها ولم يذكر إنذارا ولا نقل أنهم أنذروها ، فأخذ بهذه الأحاديث في استحباب قتل الحيات مطلقا ، وخصت المدينة بالإنذار للحديث الوارد فيها . وسببه ما صرح به في صحيح مسلم وغيره أنه أسلم طائفة من الجن بها . وذهبت طائفة من العلماء إلى عموم النهي في حيات البيوت بكل بلد حتى تنذر ، وأما ما ليس في البيوت فيقتل من غير إنذار . قال مالك : يقتل ما وجد منها في المساجد .

قال القاضي : وقال بعض العلماء : الأمر بقتل الحيات مطلقا مخصوص بالنهي عن حيات البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنه يقتل على كل حال سواء كان في بيوت أم غيرها وإلا ما ظهر منها بعد الإنذار . قالوا : ويخص من النهي عن قتل حيات البيوت الأبتر وذي الطفيتين . ا هـ . ، وهذا هو الذي يقتضيه العمل الأصولي في مثل أحاديث الباب فالمصير إليه أرجح . وأما صفة الاستئذان فقال القاضي : روى ابن حبيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يقول : { أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكن سليمان بن داود أن تؤذننا وأن تظهرن لنا } وقال مالك : يكفيه أن يقول : أحرج عليك بالله واليوم الآخر أن لا تبدوا لنا ولا تؤذينا .

ولعل مالكا أخذ لفظ التحريج من لفظ الحديث المذكور وتبويب المصنف في الباب فيه إشارة إلى أن الأمر بالقتل والنهي عنه من أصول التحريم قال المهدي في البحر : أصول التحريم إما نص الكتاب أو السنة أو الأمر بقتله كالخمسة وما ضر من غيرها فمقيس عليها أو النهي عن قتله كالهدهد والخطاف والنحلة والنملة والصرد أو استخباث العرب إياه كالخنفساء والضفدع والعظاية والوزغ والحرباء والجعلان وكالذباب والبعوض والزنبور والقمل والكتان والنامس والبق والبرغوث ، لقوله تعالى: { يحرم عليهم الخبائث } وهي مستخبثة عندهم والقرآن نزل بلغتهم ، فكان استخباثهم طريق تحريم ، فإن استخبثه البعض اعتبر الأكثر ، والعبرة باستطابة أهل السعة لا ذوي الفاقة ا هـ .

والحاصل أن الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة المذكورة في أول الكتاب وغيرها قد دلت على أن الأصل الحل ، وأن التحريم لا يثبت إلا إذا ثبت الناقل عن الأصل المعلوم وهو أحد الأمور المذكورة ، فما لم يرد فيه ناقل صحيح فالحكم بحله هو الحق كائنا ما كان ، وكذلك إذا حصل التردد فالمتوجه الحكم بالحل لأن الناقل غير موجود مع التردد ، ومما يؤيد أصالة الحل بالأدلة الخاصة استصحاب البراءة الأصلية . .

التالي السابق


الخدمات العلمية