صفحة جزء
3635 - ( وعن رافع بن خديج قال : { قلت : يا رسول الله إنا نلقى العدو غدا ، وليس معنا مدى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا ، وسأحدثكم عن ذلك : أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة } رواه الجماعة ) .

3636 - ( وعن شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : إن الله كتب الإحسان [ ص: 161 ] على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته } رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه ) .

3637 - ( وعن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم ، وقال : إذا ذبح أحدكم فليجهز } رواه أحمد وابن ماجه ) .

3638 - ( وعن أبي هريرة قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى : ألا إن الذكاة في الحلق واللبة ، ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق ، وأيام منى أيام أكل وشرب وبعال } . رواه الدارقطني ) .


حديث ابن عمر في إسناده عند ابن ماجه ابن لهيعة وفيه مقال معروف ، ويشهد له الحديث الذي قبله .

وحديث أبي هريرة في إسناده سعيد بن سلام العطار ، قال أحمد : كذاب . وقد تقدم ما يشهد له في صلاة العيد قوله : ( إنا نلقى العدو غدا ) لعله عرف ذلك بخبر أو بقرينة . قوله : ( وليس معنا مدى ) بضم الميم مخفف مقصور جمع مدية بسكون الدال بعدها تحتانية ، وهي السكين سميت بذلك لأنها تقطع مدى الحيوان : أي عمره ، والرابط بين قوله : " نلقى العدو وليس معنا مدى " يحتمل أن يكون مراده أنهم إذا لقوا العدو صاروا بصدد أن يغنموا منهم ما يذبحونه ، ويحتمل أن يكون مراده أنهم يحتاجون إلى ذبح ما يأكلونه ليتقووا به على العدو إذا لقوه .

قوله : ( ما أنهر الدم ) أي أساله وصبه بكثرة ، شبهه بجري الماء في النهر ، قال عياض : هذا هو المشهور في الروايات بالراء ، وذكره أبو ذر بالزاي وقال : النهر بمعنى الدفع وهو غريب ، وما موصولة في موضع رفع بالابتداء وخبرها فكلوا ، والتقدير : ما أنهر الدم فهو حلال فكلوا . ويحتمل أن تكون شرطية . ووقع في رواية إسحاق عن الثوري " كل ما أنهر الدم ذكاة " وما في هذا موصوفة قوله : ( وذكر اسم الله عليه ) فيه دليل على اشتراط التسمية لأنه علق الإذن بمجموع الأمرين وهما الإنهار والتسمية ، والمعلق على شيئين لا يكتفى فيه إلا باجتماعهما وينتفي بانتفاء أحدهما ، وقد تقدم الكلام على ذلك قوله : ( وسأحدثكم ) اختلف في هذا هل هو من جملة المرفوع أو مدرج . قوله : ( أما السن فعظم ) قال البيضاوي : هو قياس حذفت منه المقدمة الثانية لشهرتها عندهم ، والتقدير : أما السن فعظم ، وكل عظم لا يحل الذبح به ، وطوى النتيجة لدلالة الاستثناء عليها .

وقال ابن الصلاح في مشكل الوسيط : هذا يدل [ ص: 162 ] على أنه عليه الصلاة والسلام كان قد قرر كون الذكاة لا تحصل بالعظم فلذلك اقتصر على قوله فعظم . قال : ولم أر بعد البحث من نقل للمنع من الذبح بالعظم معنى يعقل ، وكذا وقع في كلام ابن عبد السلام . وقال النووي : معنى الحديث لا تذبحوا بالعظام فإنها تنجس بالدم . وقد نهيتم عن تنجيسها لأنها زاد إخوانكم من الجن .

وقال ابن الجوزي في المشكل : هذا يدل على أن الذبح بالعظم كان معهودا عندهم أنه لا يجزئ وقررهم الشارع على ذلك . قوله : ( وأما الظفر فمدى الحبشة ) أي وهم كفار . وقد نهيتم عن التشبه بهم ، قاله ابن الصلاح وتبعه النووي . وقيل : نهى عنهما لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان ولا يقع به غالبا إلا الخنق الذي هو على صورة الذبح . واعترض على الأول بأنه لو كان كذلك لامتنع الذبح بالسكين وسائر ما يذبح به الكفار . وأجيب بأن الذبح بالسكين هو الأصل . وأما ما يلتحق بها فهو الذي يعتبر فيه التشبه ، ومن ثم كانوا يسألون عن جواز الذبح بغير السكين وروي عن الشافعي أنه قال : السن إنما يذكى بها إذا كانت منتزعة ، فأما وهي ثابتة فلو ذبح بها لكانت منخنقة ، يعني فدل على عدم جواز التذكية بالسن المنتزعة بخلاف ما نقل عن الحنفية من جوازه بالسن المنفصلة .

قال : وأما الظفر فلو كان المراد به ظفر الإنسان لقال فيه ما قال في السن ، لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من بلاد الحبشة وهو لا يقوي فيكون في معنى الخنق . قوله : ( فأحسنوا القتلة ) بكسر القاف وهي الهيئة والحالة . قوله : ( فأحسنوا الذبح ) قال النووي في شرح مسلم : وقع في كثير من النسخ أو أكثرها " فأحسنوا الذبح " بفتح الذال بغير هاء ، وفي بعضها " الذبحة " بكسر الذال وبالهاء كالقتلة وهي الهيئة والحالة . قوله : ( وليحد ) بضم الياء يقال : أحد السكين وحددها واستحدها بمعنى " وليرح ذبيحته " بإحداد السكين وتعجيل إمرارها وغير ذلك .

قوله : ( وأن توارى عن البهائم ) قال النووي : يستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى ولا يجرها إلى مذبحها . قوله : ( فليجهز ) بالجيم والزاي : أي يسرع في الذبح قوله : ( واللبة ) هي المنحر من البهائم وهي بفتح اللام وتشديد الموحدة قوله : ( ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق ) بزاي : أي لا تشرعوا في شيء من الأعمال المتعلقة بالذبيحة قبل أن تموت .

التالي السابق


الخدمات العلمية