صفحة جزء
[ ص: 167 ] باب ما جاء في السمك والجراد وحيوان البحر قد سبق قوله في البحر " هو الحل ميتته " .

3646 - ( عن ابن أبي أوفى قال { : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد } . رواه الجماعة إلا ابن ماجه ) .

3647 - ( وعن جابر قال : { غزونا جيش الخبط وأميرنا أبو عبيدة فجعنا جوعا شديدا ، فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له : العنبر ، فأكلنا منه نصف شهر ، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته ، قال : فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : كلوا رزقا أخرجه الله عز وجل لكم ، أطعمونا إن كان معكم ، فأتاه بعضهم بشيء فأكله } . متفق عليه ) .

3648 - ( وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أحل لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال } رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني وهو للدارقطني أيضا من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه بإسناد ، قال : أحمد : ابن المديني : عبد الرحمن بن زيد ضعيف وأخوه عبد الله ثقة ) .

3649 - ( وعن أبي شريح من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله ذبح ما في البحر لبني آدم } رواه الدارقطني وذكره البخاري عن أبي شريح موقوفا . وعن أبي بكر الصديق قال : الطافي حلال ) .

3650 - ( وعن عمر في قوله تعالى: { أحل لكم صيد البحر } قال : صيده ما اصطيد وطعامه ما رمى به .

وقال ابن عباس : طعامه ميتته إلا ما قدرت منها . قال ابن عباس : كل من صيد البحر صيد يهودي ، أو نصراني ، أو مجوسي ، وركب الحسن على سرج من جلود كلاب الماء ذكرهن البخاري في صحيحه ) .


[ ص: 168 ] الحديث الذي أشار إليه . المصنف بقوله قد سبق هو أول حديث في كتابه هذا ، وقد مر الكلام عليه . وحديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي ، ورواه الدارقطني أيضا من رواية سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم موقوفا وقال : هو أصح .

وكذا صحح الموقوف أبو زرعة وأبو حاتم وعبد الرحمن بن زيد ضعيف كما نقله المصنف عن أحمد وابن المديني .

وفي رواية عن أحمد أنه قال : حديثه هذا منكر . وقال البيهقي : رفع هذا الحديث أولاد زيد بن أسلم عبد الله وعبد الرحمن وأسامة وقد ضعفهم ابن معين ، وكان أحمد بن حنبل يوثق عبد الله ، وكذا روي عن ابن المديني . قال الحافظ : قلت : رواه الدارقطني وابن عدي من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم . قال ابن عدي : الحديث يدور على هؤلاء الثلاثة . قال الحافظ : وقد تابعهم شخص هو أضعف منهم وهو أبو هاشم كثير بن عبد الله الأبلي ، أخرجه ابن مردويه في تفسير سورة الأنعام من طريقه عن زيد بن أسلم بلفظ { يحل من الميتة اثنان ومن الدم اثنان ، فأما الميتة فالسمك والجراد ، وأما الدم فالكبد والطحال } ورواه المسور بن الصلت أيضا عن زيد بن أسلم لكنه خالف في إسناده . قال : عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد مرفوعا ، أخرجه الخطيب ، وذكره الدارقطني في العلل ، والمسور كذاب ، نعم الرواية الموقوفة التي صححها أبو حاتم وغيره هي في حكم المرفوع ; لأن قول الصحابي أحل لنا كذا وحرم علينا كذا مثل قوله : أمرنا بكذا ونهينا عن كذا فيحصل الاستدلال بهذه الرواية لأنها في معنى المرفوع ، كذا قال الحافظ . قوله : ( سبع غزوات ) في رواية البخاري " أو ستا " ووقع في توضيح ابن مالك سبع غزوات أو ثماني ، وتكلم عليه فقال : الأجود أن يقال : أو ثمانيا بالتنوين ; لأن لفظ ثماني وإن كان كلفظ جواري في أن ثالث حروفه ألف بعدها حرفان ثانيهما ياء فهو يخالفه في أن جواري جمع وثماني ليس بجمع .

وقد أطال الكلام على ذلك ، ثم وجه ترك التنوين بتوجيهات : منها أن يكون حذف المضاف إليه وأبقى المضاف على ما كان عليه قبل الحذف . قال الحافظ : ولم أر لفظ ثماني في شيء من كتب الحديث ، قال : وهذا الشك في عدد الغزوات من شعبة . قوله : ( نأكل معه الجراد ) يحتمل أن يراد بالمعية مجرد الغزو دون ما تبعه من أكل الجراد . ويحتمل أن يريد مع أكله ، ويدل على الثاني ما وقع في رواية أبي نعيم بلفظ " ويأكله معنا " وهذا يرد على الصيمري من الشافعية حيث زعم أنه صلى الله عليه وسلم عافه كما عاف الضب . وقد أخرج أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم من حديث سلمان أنه قال : " لا آكله ولا أحرمه " والصواب أنه مرسل ، ولابن عدي في ترجمة ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر { أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال : لا آكله ولا أحرمه وسئل عن الجراد فقال مثل ذلك } قال الحافظ : وهذا ليس ثابتا ; لأن ثابتا قال فيه النسائي : [ ص: 169 ] ليس بثقة .

ونقل النووي الإجماع على حل أكل الجراد . وفصل ابن العربي في شرح الترمذي بين جراد الحجاز وجراد الأندلس ، فقال في جراد الأندلس : لا يؤكل لأنه ضرر محض ، وهذا إن ثبت أنه يضر آكله بأن يكون فيه سمية تخصه دون غيره من جراد البلاد تعين استثناؤه . وذهب الجمهور إلى حل أكل الجراد ولو مات بغير سبب ، وعند المالكية اشتراط التذكية ، وهي : هنا أن يكون موته بسبب آدمي ، إما بأن يقطع رأسه أو بعضه أو يسلق أو يلقى في النار حيا ، فإن مات حتف أنفه أو في وعاء لم يحل .

واحتج الجمهور بحديث ابن عمر المذكور في الباب . ولفظ الجراد جنس يقع على الذكر والأنثى ويميز واحده بالتاء ، وسمي جرادا لأنه يجرد ما ينزل عليه ، أو لأنه أجرد : أي أملس ، وهو من صيد البر وإن كان أصله بحريا عند الأكثر ، وقيل : إنه بحري بدليل حديث أبي هريرة أنه قال : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة ، فاستقبلنا رجل من جراد ، فجعلنا نضربهن بنعالنا وأسواطنا ، فقال صلى الله عليه وسلم : كلوه فإنه من صيد البحر } أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بإسناد ضعيف . وأخرج نحوه أبو داود والترمذي من طريق أخرى عن أبي هريرة وفي إسناده أبو المهزم بضم الميم وكسر الزاي وفتح الهاء وهو ضعيف .

وأخرج ابن ماجه من حديث أنس مرفوعا { إن الجراد نثرة حوت من البحر } أي عطسته ، قوله : ( الخبط ) بالتحريك : هو ما يسقط من الورق عند خبط الشجر . قوله : ( فأكله ) بهذا تتم الدلالة ، وإلا فمجرد أكل الصحابة منه وهم في حال المجاعة قد يقال : إنه للاضطرار ، ولا سيما وقد ثبت عن أبي عبيدة في رواية عند مسلم بلفظ " وقد اضطررتم فكلوا " قال في الفتح : وحاصل قول أبي عبيدة أنه بني أولا على عموم تحريم الميتة ، ثم ذكر تخصيص المضطر بإباحة أكلها إذا كان غير باغ ولا عاد ، وهم بهذه الصفة لأنهم في سبيل الله وفي طاعة رسول الله .

وقد تبين من آخر الحديث أن حمله كونها حلالا ليس لسبب الاضطرار بل لكونها من صيد البحر لأكله صلى الله عليه وسلم منها لأنه لم يكن مضطرا . وقد ذهب الجمهور إلى إباحة ميتة البحر سواء ماتت بنفسها أو ماتت بالاصطياد . وعن الحنفية والهادي والقاسم والإمام يحيى والمؤيد بالله في أحد قوليه : إنه لا يحل إلا ما مات بسبب آدمي أو بإلقاء الماء له أو جزره عنه . وأما ما مات أو قتله حيوان غير آدمي فلا يحل .

واستدلوا بحديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا بلفظ { ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه ، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه } أخرجه أبو داود مرفوعا من رواية يحيى بن سليم الطائفي عن أبي الزبير عن جابر ، وقد أسند من وجه آخر عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا . وقال الترمذي : سألت البخاري عنه فقال : ليس بمحفوظ ، ويروى عن جابر خلافه ، انتهى . ويحيى بن سليم صدوق سيئ الحفظ . وقال النسائي : ليس [ ص: 170 ] بالقوي . وقال يعقوب : إذا حدث من كتابه فحديثه حسن ، وإذا حدث حفظا ففي حديثه ما يعرف وينكر . وقال أبو حاتم : لم يكن بالحافظ . وقال ابن حبان في الثقات : كان يخطئ وقد توبع على رفعه ، أخرجه الدارقطني من رواية أبي أحمد الزبيري عن الثوري مرفوعا لكن قال : خالفه وكيع وغيره فوقفوه على الثوري وهو الصواب .

وروي عن ابن أبي ذئب وإسماعيل بن أمية مرفوعا ولا يصح والصحيح موقوف . قال الحافظ : وإذا لم يصح إلا موقوفا فقد عارضه قول أبي بكر وغيره ، يعني المذكور في الباب . وقال أبو داود : روى هذا الحديث سفيان الثوري وأيوب وحماد عن أبي الزبير أوقفوه على جابر . قال المنذري : وقد أسند هذا الحديث من وجه ضعيف . وأخرجه ابن ماجه .

قال الحافظ أيضا : والقياس يقتضي حله ; لأنه لو مات في البر لأكل بغير تذكية ، ولو نضب عنه الماء فمات لأكل ، فكذلك إذا مات وهو في البحر ، ولا خلاف بين العلماء في حل السمك على اختلاف أنواعه ، وإنما اختلفوا فيما كان على صورة حيوان البر كالآدمي والكلب والخنزير ، فعند الحنفية وهو قول للشافعية أنه يحرم ، والأصح عن الشافعية الحل مطلقا وهو قول المالكية ، إلا الخنزير في رواية . وحجتهم عموم قوله تعالى: { أحل لكم صيد البحر } وحديث { هو الطهور ماؤه الحل ميتته } أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما ، وقد تقدم في أول الكتاب .

وروي عن الشافعية أيضا أنه يحل ما يؤكل نظيره في البر ، وما لا فلا ، وإليه ذهبت الهادوية ، واستثنت الشافعية ما يعيش في البر والبحر . وهو نوعان : النوع الأول ما ورد في منع أكله شيء يخصه كالضفدع ، وكذا استثناه أحمد للنهي عن قتله كما ورد ذلك من حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم . وله شاهد من حديث ابن عمر عند أبي عاصم وآخر عن عبد الله بن عمر وأخرجه الطبراني في الأوسط وزاد " فإن نقيقها تسبيح " . وذكر الأطباء أن الضفدع نوعان : بري ، وبحري ، ومن المستثنى التمساح والقرش والثعبان والعقرب والسرطان والسلحفاة للاستخباث والضرر اللاحق من السم .

النوع الثاني ما لم يرد فيه مانع فيحل لكن بشرط التذكية كالبط وطير الماء . قوله : { إن الله ذبح ما في البحر لبني آدم } لفظ البخاري { كل شيء في البحر مذبوح } وقد أخرجه الدارقطني وأبو نعيم في الصحابة مرفوعا . قال الحافظ : والموقوف أصح ، وأخرجه ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق عمرو بن دينار : سمعت شيخا كبيرا يحلف بالله ما في البحر دابة إلا قد ذبحها الله لبني آدم .

وأخرج الدارقطني من حديث عبد الله بن سرجس رفعه { إن الله قد ذبح كل ما في البحر لبني آدم } وفي سنده ضعيف . والطبراني من حديث ابن عمر ورفعه نحوه وسنده ضعيف .

وأخرج عبد الرزاق بسندين جيدين عن عمر ثم [ ص: 171 ] عن علي بلفظ { الحوت ذكي كله } قال عطاء : أما الطير فأرى أن تذبحه قوله : ( الطافي حلال ) وصله أبو بكر بن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني من رواية عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس ، 24570 والطافي بغير همز من طفا يطفو : إذا علا على الماء ولم يرسب قوله : ( صيده ما اصطيد ، وطعامه ما رمي به ) وصله البخاري في التاريخ وعبد بن حميد قوله : ( طعامه ميتة إلا ما قذرت ) وصله الطبراني . قوله : ( كل من صيد البحر صيد يهودي . . . إلخ ) وصله البيهقي قال ابن التين : مفهومه أن صيد البحر لا يؤكل إن صاده غير هؤلاء ، وهو كذلك عند قوم .

وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عطاء وسعيد بن جبير كراهية صيد المجوسي . وأخرج أيضا بسند آخر عن علي عليه السلام مثل ذلك . قوله : ( وركب الحسن على سرج ) قيل إنه الحسن بن علي ، وقيل البصري . والمراد أن السرج متخذ من جلود الكلاب المعروفة بكلاب الماء التي في البحر كما صرح به في الرواية . .

التالي السابق


الخدمات العلمية