صفحة جزء
باب الميتة للمضطر

3651 - ( عن أبي واقد الليثي قال : { قلت يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا مخمصة فما يحل لنا من الميتة ؟ فقال : إذا لم تصطبحوا ولم تعتبقوا ولم تحتفئوا بها بقلا فشأنكم بها } . رواه أحمد ) .

3652 - ( وعن جابر بن سمرة : { أن أهل بيت كانوا . بالحرة محتاجين قال : فماتت عندهم ناقة لهم أو لغيرهم ، فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكلها ، قال : فعصمتهم بقية شتائهم أو سنتهم } . رواه أحمد .

وفي لفظ : { أن رجلا نزل الحرة ومعه أهله وولده ، فقال رجل : إن ناقة لي ضلت فإن وجدتها فأمسكها ، فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت ، فقالت امرأته : انحرها ، فأبى فنفقت ، فقالت : اسلخها حتى نقدر شحمها ولحمها ونأكله ، فقال : حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فسأله ، فقال : هل عندك غنى يغنيك ؟ قال : لا ، قال : فكلوه ، قال : فجاء صاحبها فأخبره الخبر ، فقال : هلا كنت نحرتها ؟ قال : استحيت منك } . رواه أبو داود ، وهو دليل على إمساك الميتة للمضطر ) .


حديث أبي واقد ، قال في مجمع الزوائد : أخرجه الطبراني ورجاله ثقات انتهى .

[ ص: 172 ] وحديث جابر بن سمرة سكت عنه أبو داود والمنذري ، وليس في إسناده مطعن لأن أبا داود رواه من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة .

وفي الباب عن الفجيع العامري أنه { أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما يحل لنا الميتة ؟ قال : ما طعامكم ؟ قلنا : نغتبق ونصطبح } قال أبو نعيم وهو الفضل بن دكين : فسره لي عقبة قدح غدوة وقدح عشية " قال ذاك وأبى الجوع ، فأحل لهم الميتة على هذه الحال " قال أبو داود : الغبوق من آخر النهار ، والصبوح من أول النهار . وفي إسناده عقبة بن وهب العامري . قال يحيى بن معين : صالح . وقال علي بن المديني : قلت لسفيان بن عيينة عقبة بن وهب ، فقال : ما كان ذاك فيدري ما هذا الأمر ولا كان شأنه الحديث انتهى . قوله : ( إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ) قال ابن رسلان في شرح السنن : الاصطباح ههنا أكل الصبوح وهو الغداء ، والغبوق : أكل العشاء انتهى . وقد تقدم تفسير الصبوح والغبوق وهما بفتح أولهما ، والأول شرب اللبن أول النهار ، والثاني شرب اللبن آخر النهار ثم استعملا في الأكل للغداء والعشاء وعليهما يحمل ما في حديث أبي واقد الليثي المذكور ، ولعل المراد بهما في حديث الفجيع مجرد شرب اللبن لأنه لو كان المراد بهما أكل الطعام في الوقتين لم يصح ما في آخر الحديث وهو قوله " ذاك وأبى الجوع " إذ لا جوع حينئذ . قوله : ( ولم تحتفئوا بها بقلا ) بفتح المثناتين من فوق بينهما حاء مهملة وبعدهما فاء مكسورة ثم همزة مضمومة من الحفاء وهو البردي بضم الموحدة : نوع من جيد التمر . وضعفه بعضهم بأن البردي ليس من البقول . قال أبو عبيد : هو أصل البردي الأبيض الرطب وقد يؤكل

قال أبو عبيد : معنى الحديث أنه ليس لكم أن تصطبحوا وتغتبقوا وتجمعوهما مع الميتة قال الأزهري : قد أنكر هذا على أبي عبيد وفسر أنه أراد إذا لم تجدوا ألبنة تصطبحونها أو شرابا تغتبقونه ولم تجدوا بعد عدم الصبوح والغبوق بقلة تأكلونها حلت لكم الميتة ، قال : وهذا هو الصحيح .

قال الخطابي : القدح من اللبن بالغداة ، والقدح بالعشي يمسك الرمق ويقيم النفس وإن كان لا يغذو البدن ولا يشبع الشبع التام ، وقد أباح لهم مع ذلك الميتة فكان دلالته أن تتناول الميتة إلى أن تأخذ النفس حاجتها من القوت كما ذهب إليه مالك والشافعي في أحد قوليه ، والقول الراجح عند الشافعي هو الاقتصار على سد الرمق كما نقله المزني وصححه الرافعي والنووي ، وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك والهادوية ويدل عليه قوله " هل عندك غنى يغنيك " إذا كان يقال لمن وجد سد رمقه مستغنيا لغة أو شرعا .

واستدل به بعضهم على القول الأول قال لأنه سأله عن الغنى ولم يسأله عن خوفه على نفسه ، والآية الكريمة قد دلت على تحريم الميتة ، واستثنى ما وقع الاضطرار إليه ، فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء ، [ ص: 173 ] ولا شك أن سد الرمق يدفع الضرورة ، وقيل إنه يجوز أكل المعتاد للمضطر في أيام عدم الاضطرار ، قال الحافظ : وهو الراجح لإطلاق الآية . واختلفوا في الحالة التي يصح فيها الوصف بالاضطرار ويباح عندها الأكل . فذهب الجمهور إلى أنها الحالة التي يصل به الجوع فيها إلى حد الهلاك أو إلى مرض يفضي إليه ، وعن بعض المالكية تحديد ذلك بثلاثة أيام .

قال ابن أبي جمرة : الحكمة في ذلك أن في الميتة سمية شديدة ، فلو أكلها ابتداء لأهلكته ، فشرع له أن يجوع ليصير في بدنه بالجوع سمية هي أشد من سمية الميتة قوله : ( كانوا بالحرة ) بفتح الحاء والراء المشددة - مهملتين - أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود . قوله : ( فنفقت ) بفتح النون والفاء والقاف : أي ماتت يقال : نفقت الدابة نفوقا مثل قعدت المرأة قعودا : إذا ماتت . قوله : ( حتى نقدر ) بفتح النون وسكون القاف وضم الدال بعده راء مهملة ، هكذا في النسخ الصحيحة ، يقال قدر اللحم يقدره : طبخه في القدر .

وفي سنن أبي داود " نقدد اللحم " بدال مهملة مكان الراء وعلى ذلك شرح ابن رسلان فإنه قال : أي نجعله قديدا . قوله : ( غنى يغنيك ) أي تستغني به يكفيك ويكفي أهلك وولدك عنها .

وقوله : ( استحييت منك ) بياءين مثناتين من تحت . ولغة تميم وبكر بن وائل : استحيت بفتح الحاء وحذف إحدى الياءين . وقد دلت أحاديث الباب على أنه يجوز للمضطر أن يتناول من الميتة ما يكفيه على الخلاف السابق في مقدار ما يتناوله ولا أعلم خلافا في الجواز وهو نص القرآن الكريم ، وهل يجب على المضطر أن يتناول من الميتة حفظا لنفسه . قال في البحر : في ذلك وجهان : يجب لوجوب دفع الضرر ولا يجب إيثارا للورع . واختلفوا في المراد بقوله تعالى { غير باغ } فقيل : أي غير متلذذ ولا مجاوز لدفع الضرر ، وقيل : أي غير عاص فمنعوا العاصي من أكل الميتة .

وحكى الحافظ في الفتح عن الجمهور أنهم جعلوا من البغي العصيان ، قالوا : وطريقه أن يتوب ثم يأكل قال : وجوزه بعضهم مطلقا ، ولعله يعني بالبعض القائل بالتفسير الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية