صفحة جزء
3667 - ( وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله } رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه ) .

3668 - ( وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { البركة تنزل في وسط الطعام ، فكلوا من حافتيه ، ولا تأكلوا من وسطه } رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه ) .

3669 - ( وعن عمر بن أبي سلمة قال : { كنت غلاما في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال لي : يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك } متفق عليه ) .

3670 - ( وعن أبي جحيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أما أنا فلا آكل متكئا } رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي ) .


قوله : ( لا يأكل أحدكم بشماله ) فيه النهي عن الأكل والشرب بشماله ، والنهي حقيقة في التحريم كما تقرر في الأصول ، ولا يكون مجرد الكراهة فقط إلا مجازا مع قيام صارف . قالالنووي : وهذا إذا لم يكن عذرا ، فإن كان عذر يمنع الأكل أو الشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الشمال . قوله : ( فإن الشيطان يأكل . . . إلخ ) إشارة إلى أنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشيطان ، وقد تقدم الخلاف : هل ذلك على الحقيقة أم على المجاز . قوله : ( البركة تنزل في وسط الطعام ) لفظ أبي داود { إذا أكل أحدكم طعاما فلا يأكل من أعلى الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها ، فإن البركة تنزل من أعلاها } وفيه مشروعية الأكل من جوانب الطعام قبل وسطه . قال الرافعي وغيره : [ ص: 184 ] يكره أن يأكل من أعلى الثريد ووسط القصعة ، وأن يأكل مما يلي أكيله ولا بأس بذلك في الفواكه . وتعقبه الإسنوي بأن الشافعي نص على التحريم ، فإن لفظه في الأم : فإن أكل مما يليه أو من رأس الطعام أثم بالفعل الذي فعله إذا كان عالما ، واستدل بالنهي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إلى هذا الحديث . قال الغزالي : وكذا لا يأكل من وسط الرغيف بل من استدارته إلا إذا قل الخبز فليكسر الخبز . والعلة في ذلك ما في الحديث من كون البركة تنزل في وسط الطعام قوله : ( تطيش ) بكسر الطاء وبعدها مثناة تحتية ساكنة : أي تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة ولا تقتصر على موضع واحد .

قال النووي : والصحفة دون القصعة : وهي ما تسع ما يشبع خمسة ، والقصعة تشبع عشرة ، كذا قاله الكسائي فيما حكاه الجوهري وغيره عنه . وقيل الصحفة كالقصعة وجمعها صحاف . قال النووي أيضا : وفي هذا الحديث ثلاث سنن من سنن الأكل وهي : التسمية ، والأكل باليمين وقد سبق بيانهما ، والثالثة : الأكل مما يليه لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مروءة قد يتقذره صاحبه لا سيما في الأمراق وشبهها ، وهذا في الثريد والأمراق وشبههما ، فإن كان تمرا وأجناسا فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه ، والذي ينبغي تعميم النهي حملا للنهي على عمومه حتى يثبت دليل مخصص والله أعلم .

قوله : ( أما أنا فلا آكل متكئا ) سبب هذا الحديث قصة الأعرابي المذكور في حديث عبد الله بن بسر عند ابن ماجه والطبراني بإسناد حسن قال : { أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثى على ركبتيه يأكل ، فقال له أعرابي : ما هذه الجلسة ؟ فقال : إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا } قال ابن بطال : إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا لله ، ثم ذكر من طريق أيوب عن الزهري قال : { أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها فقال : إن ربك يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا ، قال : فنظر إلى جبريل كالمستشير له ، فأومأ إليه أن تواضع ، فقال : بل عبدا نبيا ، فما أكل متكئا } ا هـ . قال الحافظ : وهذا مرسل أو معضل ، وقد وصله النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن عباس قال : كان ابن عباس يحدث فذكر نحوه .

وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : { ما رئي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط } .

وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : { ما أكل صلى الله عليه وسلم متكئا إلا مرة ثم نزع فقال : اللهم إني عبدك ورسولك } وهذا مرسل . ويمكن الجمع بأن تلك المرة التي في أثر مجاهد ما اطلع عليها عبد الله بن عمرو .

وقد أخرج ابن شاهين في ناسخه من مرسل عطاء بن يسار { أن جبريل رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا فنهاه } .

ومن حديث أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهاه جبريل عن الأكل متكئا لم يأكل متكئا بعد ذلك } واختلف في صفة الاتكاء ، فقيل أن يتمكن في الجلوس للأكل على أي [ ص: 185 ] صفة كان ، وقيل : أن يميل على أحد شقيه ، وقيل : أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض . قال الخطابي : يحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه وليس كذلك ، بل هو المعتمد على الوطاء عند الأكل لأنه صلى الله عليه وسلم قال : { إني أذم فعل من يستكثر من الطعام ، فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا } وفي حديث أنس { أنه صلى الله عليه وسلم أكل تمرا وهو مقع } والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن .

وأخرج ابن عدي بسند ضعيف { زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل } قال مالك : هو نوع من الاتكاء .

قال الحافظ : وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة ما يعد الآكل فيه متكئا ولا يختص بصفة بعينها . وجزم ابن الجوزي في تفسير الاتكاء بأنه الميل على أحد الشقين ولم يلتفت لإنكار الخطابي ذلك . وحكى ابن الأثير في النهاية أن من فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا ولا يسيغه لي هنيئا . واختلف السلف في حكم الأكل متكئا ، فزعم ابن القاص أن ذلك من الخصائص النبوية . وتعقبه البيهقي فقال : يكره لغيره أيضا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم ، قال : فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه الآكل إلا متكئا لم يكن في ذلك كراهة

، ثم ساق عن جماعة من السلف أنهم أكلوا كذلك . وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة ، وفي الحمل نظر . وقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا . وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الأولى فالمستحب في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى . واستثنى الغزالي من كراهة الأكل مضطجعا أكل البقل . واختلف في علة الكراهة ، وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال : كانوا يكرهون أن يأكلوا تكأة مخافة أن تعظم بطونهم ، وإلى ذلك يشير بقية ما ورد من الأخبار . ووجه الكراهة فيه ظاهر ، وكذلك ما أشار إليه ابن الأثير من جهة الطب .

التالي السابق


الخدمات العلمية