صفحة جزء
باب أن من حلف أنه لا مال له يتناول الزكاتي وغيره

3812 - ( عن أبي الأحوص عن أبيه قال : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعلي شملة أو شملتان فقال : هل لك من مال ؟ فقلت : نعم قد آتاني الله من كل ماله ، من خيله وإبله وغنمه ورقيقه فقال : فإذا آتاك الله مالا فلير عليك نعمه فرحت إليه في حلة } ) .

3813 - ( وعن سويد بن هبيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { خير مال امرئ له مهرة مأمورة أو سكة مأبورة } رواهما أحمد المأمورة : الكثيرة النسل . والسكة : الطريق من النخل المصطفة ، والمأبورة : هي الملقحة . وقد سبق { أن عمر قال : يا رسول الله أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه } . { وقال أبو طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم : أحب أموالي إلي بيرحاء لحائط له مستقبلة المسجد } متفق عليه )


. حديث أبي الأحوص أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والترمذي والحاكم في المستدرك ، ورجال إسناده رجال الصحيح . وحديث سويد بن هبيرة أخرجه أيضا أبو سعيد والبغوي وابن قانع والطبراني في الكبير والبيهقي في السنن والضياء المقدسي في المختارة وصححه ، وأخرجه أيضا عنه من طريق أخرى العسكري وحديث عمر قد سبق في أول كتاب الوقف قوله : ( فإذا آتاك الله مالا ) ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إتيان المال مع أمره بإظهار النعمة عليه يدل على أنه علة ; لأنه لو لم يمكن التعليل ما كان لإعادة ذكره فائدة ، وكان ذكره عبثا ، وكلام الشارع منزه عنه قوله : ( فلير ) بسكون لام الأمر ، والياء المثناة التحتية [ ص: 258 ] مضمومة ، ويجوز بالمثناة من فوق باعتبار النعم المذكورة ، ويجوز أيضا بالمثناة من تحت المفتوحة

وفيه أنه يستحب للغني أن يلبس من الثياب ما يليق به ليكون ذلك إظهارا لنعمة الله عليه ، إذ الملبوس هو أعظم ما يظهر فيه الفرق بين الأغنياء والفقراء ، فمن لبس من الأغنياء ثياب الفقراء صار مماثلا لهم في إيهام الناظر له أنه منهم

وذلك ربما كان من كفران نعمة الله عليه ، وليس الزهد والتواضع في لزوم ثياب الفقر والمسكنة ; لأن الله سبحانه أحل لعباده الطيبات ولم يخلق لهم جيد الثياب إلا لتلبس ما لم يرد النص على تحريمه . ومن فوائد إظهار أثر الغنى أن يعرفه ذوو الحاجات فيقصدوه لقضاء حوائجهم

وقد أخرج الترمذي حديث { إن الله يحب أن يرى أثر نعمته بالخير على عبده } وقال حسن ، فدل هذا على أن إظهار النعمة من محبوبات المنعم ، ويدل على ذلك قوله تعالى: { وأما بنعمة ربك فحدث } فإن الأمر منه جل جلاله إذا لم يكن للوجوب كان للندب ، وكلا القسمين مما يحبه الله فمن أنعم الله عليه بنعمة من نعمه الظاهرة أو الباطنة فليبالغ في إظهارها بكل ممكن ما لم يصحب ذلك الإظهار رياء أو عجب أو مكاثرة للغير ، وليس من الزهد والتواضع أن يكون الرجل وسخ الثياب شعث الشعر ، فقد أخرج أبو داود والنسائي عن جابر بن عبد الله قال : { ` أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره فقال : أما كان هذا يجد ما يسكن شعره ، ورأى رجلا آخر عليه ثياب وسخة ، فقال : أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه }

والحاصل أن الله جميل يحب الجمال ، فمن زعم أن رضاه في لبس الخلقان والمرقعات وما أفرط في الغلظ من الثياب فقد خالف ما أرشد إليه الكتاب والسنة قوله : ( مهرة مأمورة ) قال في القاموس : وأمر كفرح أمرا وأمرة كثر وتم فهو أمر ، والأمر اشتد ، والرجل كثرت ماشيته ، وأمره كنصره لغية : كثر نسله وماشيته قوله :

( سكة ) قال في القاموس : السك والسكة بالكسر : حديدة منقوشة يضرب عليها الدراهم والسطر من الشجر وحديدة الفدان والطريق المستوي ، وضربوا بيوتهم سكاكا بالكسر : صفا واحدا قوله : ( مأبورة ) قال في القاموس : وأبر كفرح صلح ، وذكر أن تأبير النخل إصلاحه وقد تقدم الكلام على ما قاله عمر وما قاله أبو طلحة في الوقف .

التالي السابق


الخدمات العلمية