صفحة جزء
باب ما جاء في وأيم الله ولعمر الله وأقسم بالله وغير ذلك 3823 - ( عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلها تأتي بفارس يقاتل في سبيل الله ، فقال له صاحبه : قل إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله ، فطاف عليهن جميعا ، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة فجاءت بشق رجل ، وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون } وهو حجة في أن إلحاق الاستثناء ما لم يطل الفصل ينفع ، وإن لم ينوه وقت الكلام الأول )

3824 - ( وعن ابن عمر { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زيد بن حارثة : وأيم الله [ ص: 264 ] إن كان لخليقا للإمارة } متفق عليهما .

وفي حديث متفق عليه لما وضع عمر على سريره جاء أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فترحم عليه وقال : وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وقد سبق من حديث المخزومية { وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها } وقول عمر لغيلان بن سلمة : وأيم الله لتراجعن نساءك وفي حديث الإفك { فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي ، فقام . أسيد بن حضير فقال لسعد بن عبادة : لعمر الله لنقتلنه } . وهو متفق عليه )

3825 - ( { وعن عبد الرحمن بن صفوان - وكان صديقا للعباس أنه لما كان يوم الفتح جاء بأبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله بايعه على الهجرة ، فأبى وقال : إنها لا هجرة " فانطلق إلى العباس فقام العباس معه فقال يا رسول الله قد عرفت ما بيني وبين فلان وأتاك بأبيه لتبايعه على الهجرة فأبيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا هجرة فقال العباس : أقسمت عليك لتبايعنه ، قال فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال : هات أبرره عمي ولا هجرة } رواه أحمد وابن ماجه )

3826 - ( وعن أبي الزاهرية { عن عائشة أن امرأة أهدت إليها تمرا في طبق ، فأكلت بعضه وبقي بعضه ، فقالت : أقسمت عليك إلا أكلت بقيته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبريها فإن الإثم على المحنث } رواه أحمد ) .

3827 - ( وعن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس منا من حلف بالأمانة } رواه أبو داود ) .


حديث المخزومية تقدم في باب ما جاء في السارق يوهب السرقة بعد وجوب القطع أو يشفع فيه ، وقول عمر لغيلان تقدم في باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع وحديث عبد الرحمن بن صفوان قال ابن ماجه في إسناده : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن فضيل ، وحدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا ابن إدريس جميعا عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الرحمن بن صفوان فذكره ، ثم قال : حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا الحسن بن الربيع عن عبد الله بن إدريس عن يزيد بن أبي زياد بإسناده نحوه وقال يزيد بن أبي زياد ، يعني لا هجرة من دار من قد أسلم [ ص: 265 ] أهلها ا هـ . وحديث أبي الزاهرية قال في مجمع الزوائد : رجال أحمد رجال الصحيح . ويشهد لصحته الأحاديث الآتية في إبرار القسم وحديث بريدة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات . وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يحلف بالأمانة فقال : ألست الذي يحلف بالأمانة } قوله : ( لأطوفن ) اللام جواب القسم كأنه قال : والله لأطوفن ، ويرشد إلى ذلك ذكر الحنث في قوله " لم يحنث " كما في رواية قوله : ( على تسعين ) بتقديم التاء الفوقية على السين قوله : ( وأيم الله ) بكسر الهمزة وفتحها والميم مضمومة

وحكى الأخفش كسرها مع كسر الهمزة وهو اسم عند الجمهور وحرف عند الزجاج ، وهمزته همزة وصل عند الأكثر وهمزة قطع عند الكوفيين ومن وافقهم لأنه عندهم جمع يمين ، وعند سيبويه ومن وافقه أنه اسم مفرد . واحتجوا بجواز كسر همزته وفتح ميمه

قال ابن مالك : ولو كان جمعا لم تكسر همزته ، وقد ذكر في فتح الباري فيها لغات عديدة ، وقال غيره : أصله يمين الله ويجمع على أيمن فيقال : وأيمن الله ، حكاه أبو عبيدة ، وأنشد لزهير بن أبي سلمى :

فيجمع أيمن منا ومنكم لمقسمة تمور بها الدماء

فقالوا عند القسم : وأيمن الله ، ثم كثر فحذفوا النون كما حذفوها من لم يكن فقالوا : لم يك ، ثم حذفوا الياء فقالوا : ( أم الله ) ، ثم حذفوا الألف فاقتصروا على الميم مفتوحة ومضمومة ومكسورة ، وقالوا أيضا : ( م الله ) بكسر الميم وضمها ، وأجازوا في أيمن فتح الميم وضمها ، وكذا في أيم ، ومنهم من وصل الألف وجعل الهمزة زائدة ومسهلة ، وعلى هذا تبلغ لغاتها عشرين

قال الجوهري : قالوا : أيم الله ، وربما حذفوا الياء فقالوا : أم الله ، وربما أبقوا الميم وحدها مضمومة فقالوا : أم الله ، وربما كسروها لأنها صارت حرفا واحدا فشبهوها بالباء ، قال : وألفها ألف وصل عند أكثر النحويين ، ولم يجئ ألف وصل مفتوحة غيرها ، وقد يدخل اللام للتأكيد فيقال : ليمن الله

قال الشاعر :

فقال فريق القوم لما شهدتهم     نعم وفريق ليمن الله ما ندري

وذهب ابن كيسان وابن درستويه إلى أن ألفها ألف قطع وإنما خففت همزتها وطرحت في الوصل لكثرة الاستعمال . وحكى ابن التين عن الداودي أنه قال : أيم الله معناه اسم الله بإبدال السين ياء وهو غلط فاحش لأن السين لا تبدل ياء . وذهب المبرد إلى أنها عوض من واو القسم ، وأن معنى قوله : وأيم الله والله لأفعلن

ونقل عن ابن عباس أن يمين الله من أسماء الله ، ومنه قول امرئ القيس : [ ص: 266 ]

فقلت يمين الله أبرح قاعدا     ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

ومن ثم قالت المالكية والحنفية إنه يمين . وعند الشافعية إن نوى اليمين انعقدت وإن نوى غيرها لم تنعقد يمينا ، وإن أطلق فوجهان ، أصحهما لا تنعقد إلا إن نوى . وعن أحمد روايتان أصحهما الانعقاد

وحكى الغزالي في معناه وجهين : أحدهما أنه كقوله بالله والثاني إنه كقوله أحلف بالله وهو الراجح . ومنهم من سوى بينه وبين لعمر الله . وفرق الماوردي بأن لعمر الله شاع في استعمالهم عرفا بخلاف أيم الله . واحتج بعض من قال منهم بالانعقاد مطلقا بأن معناه يمين الله ، ويمين الله من صفاته ، وصفاته قديمة

وجزم النووي في التهذيب أن قوله وأيم الله كقوله وحق الله ، وقال : إنه ينعقد به اليمين عند الإطلاق وقد استغربوه قوله : ( لعمر الله ) بفتح العين المهملة وسكون الميم : هو العمر بضم العين . قال في النهاية : ولا يقال في القسم إلا بالفتح . وقال الراغب : العمر بالضم وبالفتح واحد ولكن خص الحلف بالثاني . قال الشاعر

عمرك الله كيف يلتقيان

أي سألت الله أن يطيل عمرك

وقال أبو القاسم الزجاجي : العمر : الحياة ، فمن قال لعمر الله فكأنه قال : أحلف ببقاء الله واللام للتوكيد والخبر محذوف : أي ما أقسم به . ومن ثم قالت المالكية والحنفية تنعقد بها اليمين لأن بقاء الله تعالى من صفة ذاته ، وعن الإمام مالك لا يعجبني الحالف بذلك . وقد أخرج إسحاق بن راهويه في مصنفه عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال : كانت يمين عثمان بن أبي العاص لعمري

وقال الإمام الشافعي وإسحاق : لا يكون يمينا إلا بالنية لأنه يطلق على العلم وعلى الحق ، وقد يراد بالعلم المعلوم ، وبالحق ما أوجبه الله تعالى . وعن أحمد كالمذهبين والراجح عنه كالشافعي

وأجابوا عن الآية التي فيها القسم بالعمر بأن الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه وليس ذلك لغيره لثبوت النهي عن الحلف بغير الله تعالى ، وقد عد الأئمة ذلك من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ; لأن الله تعالى أقسم به حيث قال : { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } وأيضا فإن اللام ليست من أدوات القسم لأنها محصورة في الواو والباء والتاء . وقد ثبت عند البخاري في كتاب الرقاق من حديث لقيط بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : لعمر الأهل وكررها } وهو عند عبد الله بن أحمد وعند غيره قوله : ( أقسمت عليك ) قال ابن المنذر : اختلف فيمن قال : أقسمت بالله أو أقسمت مجردا ، فقال قوم : هي يمين وإن لم يقصد ، وممن روى عنه ذلك ابن عمر وابن عباس ، وبه قال النخعي والثوري والكوفيون

وقال الأكثرون : لا يكون يمينا إلا إن نوى وقال الإمام مالك : أقسمت بالله يمين ، وأقسمت مجردة لا تكون يمينا إلا إن نوى . وقال الشافعي : المجردة لا تكون يمينا أصلا ولو نوى ، وأقسمت بالله إن نوى يكون يمينا ، وكذا لو قال : أقسم بالله ، وقال سحنون : لا يكون يمينا أصلا

وعن [ ص: 267 ] الإمام أحمد كالأول وعنه كالثاني ، وعنه إن قال : قسما بالله فيمين جزما لأن التقدير أقسمت بالله قسما ، وكذا لو قال : آليت بالله

قال ابن المنير : لو قال أقسم بالله عليك لتفعلن فقال نعم هل يلزمه اليمين بقوله نعم وتجيء الكفارة إن لم يفعل ؟ قال : وفي ذلك نظر قوله : { ليس منا من حلف بالأمانة } قال في النهاية : يشبه أن تكون الكراهة فيه لأجل أنه أمر أن يحلف بأسماء الله وصفاته ، والأمانة أمر من أموره فنهوا عنها من أجل التسوية بينها وبين أسماء الله كما نهوا أن يحلفوا بآبائهم . قال : وإذا قال الحالف : وأمانة الله كانت يمينا عند أبي حنيفة والشافعي لا يعدها يمينا ، قال : والأمانة تقع على الطاعة والعبادة الوديعة والنقد والأمان ، وقد جاء في كل منها حديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية