صفحة جزء
14 - ( وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال : سمعت { رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل [ ص: 47 ] عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب ، فقال : إذا كان الماء قلتين لم ، يحمل الخبث } . رواه الخمسة ، وفي لفظ ابن ماجه ورواية لأحمد : " لم ينجسه شيء " ) .


الحديث أخرجه أيضا الشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي وقال الحاكم : صحيح على شرطهما . وقد احتجا بجميع رواته واللفظ الآخر من حديث الباب أخرجه أيضا الحاكم ، وأخرجه أبو داود بلفظ " لا ينجس " وكذا أخرجه ابن حبان . وقال عنه ابن منده : إسناد حديث القلتين على شرط مسلم انتهى . ومداره على الوليد بن كثير فقيل عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير ، وقيل عنه عن محمد بن عباد بن جعفر ، وقيل عنه عن عبيد الله بن عمر ، وقيل عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر . وهذا اضطراب في الإسناد .

وقد روي أيضا بلفظ { إذا كان الماء قدر قلتين أو ثلاث لم ينجس } كما في رواية لأحمد والدارقطني وبلفظ { إذا بلغ الماء قلة فإنه لا يحمل الخبث } كما في رواية للدارقطني وابن عدي والعقيلي وبلفظ " أربعين قلة " عند الدارقطني وهذا اضطراب في المتن . وقد أجيب عن دعوى الاضطراب في الإسناد بأنه على تقدير أن يكون محفوظا من جميع تلك الطرق لا يعد اضطرابا ; لأنه انتقال من ثقة إلى ثقة ، قال الحافظ : وعند التحقيق أنه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عمر المكبر . وعن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر المصغر ، ومن رواه على غير هذا الوجه فقد وهم . وله طريق ثالثة عند الحاكم جود إسنادها ابن معين .

وعن دعوى الاضطراب في المتن بأن رواية أو ثلاث شاذة ورواة أربعين قلة مضطربة وقيل : إنهما موضوعتان ذكر معناه في البدر المنير . ورواية أربعين ضعفها الدارقطني بالقاسم بن عبد الله العمري .

قال ابن عبد البر في التمهيد : ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت من جهة الأثر ; لأنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم ، ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع ، وقال في الاستذكار : حديث معلول رده إسماعيل القاضي وتكلم فيه ، وقال الطحاوي : إنما لم نقل به لأن مقدار القلتين لم يثبت .

وقال ابن دقيق العيد : هذا الحديث قد صححه بعضهم وهو صحيح على طريقة الفقهاء ، ثم أجاب عن الاضطراب . وأما التقييد بقلال هجر فلم يثبت مرفوعا إلا من رواية المغيرة بن صقلاب عند ابن عدي وهو منكر الحديث ، قال النفيلي : لم يكن مؤتمنا على الحديث ، وقال ابن عدي : لا يتابع على عامة حديثه ولكن أصحاب الشافعي قووا كون المراد قلال هجر بكثرة استعمال العرب لها في أشعارهم ، [ ص: 48 ] كما قال أبو عبيد في كتاب الطهور .

وكذلك ورد التقييد بها في الحديث الصحيح قال البيهقي : قلال هجر كانت مشهورة عندهم ولهذا شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى ليلة المعراج من نبق سدرة المنتهى بقلال هجر قال الخطابي : قلال هجر مشهورة الصنعة معلومة المقدار والقلة لفظ مشترك وبعد صرفها إلى أحد معلوماتها وهي الأواني تبقى مترددة بين الكبار والصغار ، والدليل على أنها من الكبار جعل الشارع الحد مقدرا بعدد فدل على أنه أشار إلى أكبرها ; لأنه لا فائدة في تقديره بقلتين صغيرتين مع القدرة على التقدير بواحدة كبيرة ، ولا يخفى ما في هذا الكلام من التكلف والتعسف .

قوله : ( ما ينوبه ) هو بالنون أي يرد عليه نوبة بعد أخرى . وحكى الدارقطني أن ابن المبارك صحفه فقال : يثوبه بالثاء المثلثة . قوله : ( لم يحمل الخبث ) هو بفتحتين : النجس كما وقع تفسير ذلك بالنجس في الروايات المتقدمة ، والتقدير لم يقبل النجاسة بل يدفعها عن نفسه ، ولو كان المعنى أنه يضعف عن حملها لم يكن للتقييد بالقلتين معنى فإن ما دونهما أولى بذلك ، وقيل : معناه لا يقبل حكم النجاسة . وللخبث معان أخر ذكرها في النهاية ، والمراد ههنا ما ذكرنا .

والحديث يدل على أن قدر القلتين لا ينجس بملاقاة النجاسة وكذا ما هو أكثر من ذلك بالأولى ، ولكنه مخصص أو مقيد بحديث { إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه } وهو وإن كان ضعيفا فقد وقع الإجماع على معناه ، وقد تقدم تحقيق الكلام والجمع بين الأحاديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية