صفحة جزء
باب ملازمة الغريم إذا ثبت عليه الحق وإعداء الذمي على المسلم

3906 - ( عن هرماس بن حبيب رجل من أهل البادية عن أبيه قال : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغريم لي ، فقال لي : الزمه ، ثم قال لي : يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك ؟ } رواه أبو داود وابن ماجه وقال فيه : ثم مر بي آخر النهار فقال : " ما فعل أسيرك يا أخا بني تميم ؟ " وقال في مسنده عن أبيه عن جده وعن ابن أبي حدرد الأسلمي أنه كان ليهودي عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن لي على هذا أربعة دراهم وقد غلبني عليها ، فقال : { أعطه حقه ، قال : والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها ، قال : أعطه حقه ، قال : والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها ، قد أخبرته أنك تبعثنا إلى خيبر ، فأرجو أن تغنمنا شيئا فأرجع فأقضيه ، قال : أعطه حقه ، قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال ثلاثا لم يراجع ، فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق وعلى رأسه عصابة وهو متزر ببردة ، فنزع العمامة عن رأسه فاتزر بها ، ونزع البردة ثم قال : اشتر مني هذه البردة ، فباعها منه بأربعة دراهم ، فمرت [ ص: 318 ] عجوز فقالت : ما لك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرها ، فقالت : ها دونك هذا البرد عليها طرحته عليه } رواه أحمد وفيه أن الحاكم يكرر على الناكل وغيره ثلاثا ) .

3907 - ( ومثله ما روى أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم سلم ثلاثا ، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا } رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه ) .


حديث هرماس أخرجه البخاري في تاريخه الكبير عن أبيه عن جده ، وقال ابن أبي حاتم : هرماس بن حبيب العنبري روى عن أبيه عن جده ، ولجده صحبة ، وذكر أنه سأل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين عن الهرماس بن حبيب العنبري فقالا : لا نعرفه . وقال : سألت أبي عن هرماس بن حبيب فقال : هو شيخ أعرابي لم يرو عنه غير النضر بن شميل ولا يعرف أبوه ولا جده . وحديث ابن أبي حدرد قال في مجمع الزوائد : رواه أحمد والطبراني في الصغير والأوسط ورجاله ثقات ، إلا أن محمد بن أبي يحيى لم أجد له رواية عن الصحابة ، فيكون مرسلا صحيحا انتهى .

قوله : ( الزمه ) بفتح الزاي ، فيه دليل على جواز ملازمة من له الدين لمن هو عليه بعد تقرره بحكم الشرع . وقد حكاه في البحر عن أبي حنيفة وأحد وجهي أصحاب الشافعي فقالوا : إنه يسير حيث سار ويجلس حيث جلس غير مانع له من الاكتساب ويدخل معه داره ، وذهب أحمد إلى أن الغريم إذا طلب ملازمة غريمه حتى يحضر ببينته القريبة . أجيب إلى ذلك لأنه لو لم يمكن من ملازمته ذهب من مجلس الحاكم وهذا بخلاف البينة البعيدة . وذهب الجمهور إلى أن الملازمة غير معمول بها ، بل إذا قال : لي بينة غائبة ، قال الحاكم : لك يمينه أو أخره حتى تحضر بينتك ، وحملوا الحديث على أن المراد الزم غريمك بمراقبتك له بالنظر من بعد ، ولعل الاعتذار عن الحديث بما فيه من المقال أولى من هذا التأويل المتعسف

وأما حديث ابن أبي حدرد فليس فيه دليل على الملازمة بل فيه التشديد على الديون بإيجاب القضاء وعدم قبول دعواه الإعسار لمجردها من دون بينة وعدم الاعتداد بيمينه من غير فرق بين أن يكون صاحب المال مسلما أو كافرا قوله : ( ما تريد أن تفعل بأسيرك ) سماه أسيرا باعتبار ما يحصل له من المذلة بالملازمة له وكثرة تذلله عند المطالبة ، وكأنه صلى الله عليه وسلم يعرض بالشفاعة . وقد زاد رزين بعد قوله : " ما تريد أن تفعل بأسيرك ، فأطلقه " قوله : ( وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ) لعل هذا في الأمور التي يريد صلى الله عليه وسلم أن تحفظ عنه وتنقلها الناس إلى بعضهم بعضا بخلاف الكلام في المحاورات التي تجري من دون قصد إلى حفظها لكونها ليست من الأمور الشرعية ، فلعل التكرار فيها لم يقع منه صلى الله عليه وسلم لعدم الفائدة في ذلك ، مثلا لو أنه صلى الله عليه وسلم [ ص: 319 ] أراد أن يخبر رجلا بأنه خرج إلى المسجد وصلى ورجع إلى بيته فكرر كل كلمة من هذا الخبر ثلاث مرات لم يكن ذلك بمكان من الحسن والقبول . وأما تكرير التسليم فلعله التسليم المراد به الاستئذان ، وقد ثبتت مشروعية تكريره لإيقاظ رب المنزل الذي وقع الاستئذان عليه لا أنه كان يكرر السلام الواقع لمحض التحية مثلا لا يلقى رجلا في طريق فيقوم بين يديه ويسلم عليه ثلاث مرات . .

التالي السابق


الخدمات العلمية