صفحة جزء
باب التشديد في اليمين الكاذبة

3935 - ( عن أبي أمامة الحارثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار ، وحرم عليه الجنة ، فقال رجل : وإن كان شيئا يسيرا ؟ قال : وإن كان قضيبا من أراك } رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والنسائي )

3936 - ( وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس } رواه أحمد والبخاري والنسائي ) .

3937 - ( وعن عبد الله بن أنيس الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن من [ ص: 353 ] الكبائر الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ، وما حلف حالف بالله يمين صبر ، فأدخل فيها مثل جناح بعوضة إلا جعله الله نكتة في قلبه إلى يوم القيامة } رواه أحمد والترمذي ) .


حديث عبد الله بن أنيس أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان وحسن الحافظ في الفتح إسناده وقال له شاهد من حديث عبد الله بن عمرو ، أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن قوله : ( وإن كان قضيبا من أراك ) هذا مبالغة في القلة وأن استحقاق النار يكون بمجرد اليمين في اقتطاع الحق وإن كان شيئا يسيرا لا قيمة له . قوله : ( الكبائر . . . إلخ ) قد اختلف السلف في انقسام الذنوب إلى صغيرة وكبيرة ، فذهب إلى ذلك الجمهور ومنعه جماعة منهم الإسفراييني ، ونقله ابن عباس وحكاه القاضي عياض عن المحققين ، ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية وقد تقدم قريبا وجه القولين وبيان الراجح منهما

قال الطيبي : الكبيرة والصغيرة أمران نسبيان فلا بد من أمر يضافان إليه وهو أحد ثلاثة أشياء : الطاعة والمعصية والثواب . فأما الطاعة فكل ما تكفره الصلاة مثلا فهو من الصغائر . وأما المعصية فكل معصية يستحق فاعلها بسببها وعيدا أو عقابا أزيد من الوعيد أو العقاب المستحق بسبب معصية أخرى فهي كبيرة . وأما الثواب ففاعل المعصية إن كان من المقربين فالصغيرة بالنسبة إليه كبيرة ، فقد وقعت المعاتبة في حق بعض الأنبياء على أمور لم تعد من غيرهم معصية انتهى . قال الحافظ : وكلامه فيما يتعلق بالوعيد والعقاب تخصيص عموم من أطلق أن علامة الكبيرة ورود الوعيد أو العقاب في حق فاعلها ، لكن يلزم منه أن مطلق قتل النفس مثلا ليس كبيرة وإن ورد الوعيد فيه والعقاب ، لكن ورود الوعيد والعقاب في حق قاتل ولده أشد

فالصواب ما قاله الجمهور ، وأن المثال المذكور وما أشبهه ينقسم إلى كبير وأكبر . قال النووي : واختلفوا في ضبط الكبيرة اختلافا كثيرا منتشرا ، فروي عن ابن عباس أنها كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب . قال : وجاء نحو هذا عن الحسن البصري . وقال آخرون : هي ما أوعد الله عليه بنار في الآخرة أو أوجب فيه جزاء في الدنيا . قلت : وممن نص على هذا الأخير الإمام أحمد فيما نقله القاضي أبو يعلى . ومن الشافعية الماوردي ولفظه : الكبيرة ما أوجبت فيها الحدود أو توجه إليها الوعيد ، والمنقول عن ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسند لا بأس به إلا أن فيه انقطاعا ، وأخرج من وجه آخر متصل لا بأس برجاله أيضا عن ابن عباس قال : ما توعد الله عليه بالنار كبيرة ، وقد ضبط كثير من الشافعية الكبائر بضوابط أخر : منها قول إمام الحرمين : كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة

وقال الحليمي : كل محرم لعينه منهي عنه لمعنى في نفسه . وقال الرافعي : هي ما أوجب الحد ، وقيل : ما يلحق الوعيد بصاحبه [ ص: 354 ] بنص كتاب أو سنة ، هذا أكثر ما يوجد للأصحاب وهم إلى ترجيح الأول أميل ، لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر انتهى . وقد استشكل بأن كثيرا مما وردت النصوص بكونه كبيرة لا حد فيه كالعقوق وأجيب بأن مراد قائله ضبط ما لم يرد فيه نص بكونه كبيرة . وقال ابن عبد السلام في القواعد : لم أقف لأحد من العلماء على ضابط للكبيرة لا يسلم من الاعتراض . والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها بذنبه إشعارا دون الكبائر المنصوص عليها ، قال الحافظ : وهو ضابط جيد

وقال القرطبي في المفهم : الراجح أن كل ذنب نص على كبره أو عظمه أو توعد عليه بالعقاب أو علق عليه حد أو اشتد النكير عليه فهو كبيرة ، وكلام ابن الصلاح يوافق ما نقل أولا عن ابن عباس ، وزاد إيجاب الحد وعلى هذا يكثر عدد الكبائر . وهذا الكلام في غير ما قد ورد النص الصريح فيه أنه كبيرة من الكبائر أو أكبر الكبائر . وقال الواحدي : ما لم ينص الشارع على كونه كبيرة ، فالحكمة في إخفائه أن يمتنع العبد من الوقوع فيه خشية أن يكون كبيرة كإخفاء ليلة القدر وساعة الجمعة والاسم الأعظم . قوله : ( يمين صبر ) أي ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم ، وإنما أطلق الصبر عليها وإن كان صاحبها هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها : أي حبس فوصفت بالصبر وأضيفت إليه مجازا كذا في النهاية والنكتة الأثر

التالي السابق


الخدمات العلمية