صفحة جزء
[ ص: 322 ] باب الجنب يتيمم لخوف البرد

356 - ( { عن عمرو بن العاص أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال : احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له ، فقال : يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ، فقلت : ذكرت قول الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } فتيممت ثم صليت ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا } رواه أحمد وأبو داود والدارقطني ) .


الحديث أخرجه البخاري تعليقا ، وابن حبان والحاكم ، واختلف فيه على عبد الرحمن بن جبير فقيل : عنه عن أبي قيس عن عمرو وقيل : عنه عن عمرو بلا واسطة ، ولكن الرواية التي فيها أبو قيس ليس فيها إلا أنه غسل مغابنه فقط . وقال أبو داود : روى هذه القصة الأوزاعي عن حسان بن عطية وفيه " فتيمم " ورجح الحاكم إحدى الروايتين ; وقال البيهقي : يحتمل أن يكون فعل ما في الروايتين جميعا ، فيكون قد غسل ما أمكنه وتيمم للباقي ، وله شاهد من حديث ابن عباس . ومن حديث أبي أمامة عند الطبراني قوله : " ذات السلاسل " هي موضع وراء وادي القرى ، وكانت هذه الغزوة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة قوله : ( فأشفقت ) أي خفت وحذرت .

قوله : ( فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا ) فيه دليلان على جواز التيمم عند شدة البرد ومخافة الهلاك : الأول التبسم والاستبشار ، والثاني عدم الإنكار ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل ، والتبسم والاستبشار أقوى دلالة من السكوت على الجواز ، فإن الاستبشار دلالته على الجواز بطريق الأولى . وقد استدل بهذا الحديث الثوري ومالك وأبو حنيفة وابن المنذر أن من تيمم لشدة البرد وصلى لا تجب عليه الإعادة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة ، ولو كانت واجبة لأمره بها ولأنه أتى بما أمر به وقدر عليه ، فأشبه سائر من يصلي بالتيمم .

قال ابن رسلان : لا يتيمم لشدة البرد من أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن الضرر مثل أن يغسل عضوا ويستره ، وكلما غسل عضوا ستره ودفاه من البرد لزمه ذلك ، وإن لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثر العلماء .

وقال الحسن وعطاء : يغتسل وإن مات ولم يجعلا له عذرا . ومقتضى قول ابن مسعود : لو رخصنا لهم لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا أنه لا يتيمم لشدة البرد . قال المصنف رحمه الله تعالىبعد أن ساق الحديث ما لفظه : فيه من العلم إثبات التيمم لخوف البرد وسقوط الفرض به وصحة اقتداء المتوضئ [ ص: 323 ] بالمتيمم ، وأن التيمم لا يرفع الحدث ، وأن التمسك بالعمومات حجة صحيحة انتهى .

وقوله : وإن التيمم لا يرفع الحدث ، لعله مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم : " صليت بأصحابك وأنت جنب " ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية