صفحة جزء
باب سؤر الهر

17 - ( { عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة : أن أبا قتادة [ ص: 53 ] دخل عليها فسكبت له وضوءا ، فجاءت هرة تشرب منه فأصغى لها الإناء حتى شربت منه ، قالت كبشة : فرآني أنظر ، فقال : أتعجبين يا ابنة أخي ؟ فقلت : نعم ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنها ليست بنجس ، إنها من الطوافين عليكم والطوافات } . رواه الخمسة وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ) .

18 - ( وعن عائشة { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصغي إلى الهرة الإناء حتى تشرب ثم يتوضأ بفضلها } . رواه الدارقطني ) .


الحديث الأول أخرجه أيضا البيهقي ، وصححه البخاري والعقيلي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني ، وأعله ابن منده بأن حميدة الراوية له عن كبشة مجهولة وكذلك كبشة قال : ولم يعرف لهما إلا هذا الحديث ، وتعقبه الحافظ بأن لحميدة حديثا آخر في تشميت العاطس ، رواه أبو داود ، ولها ثالث رواه أبو نعيم في المعرفة ، وقد روى عنها مع إسحاق ابنه يحيى وهو ثقة عند ابن معين ، فارتفعت جهالتها . وأما كبشة فقيل : إنها صحابية ، فإن ثبت فلا يضر الجهل بحالها على ما هو الحق من قبول مجاهيل الصحابة .

وقد حققنا ذلك في القول المقبول في رد رواية المجهول من غير صحابة الرسول .

وفي الباب عن جابر عند ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ مثله . والحديث الثاني الذي رواه الدارقطني عن عائشة قد اختلف فيه على عبد ربه وهو عبد الله بن سعيد المقبري ، ورواه الدارقطني من وجه آخر عن عائشة وفيه الواقدي .

وروي من طرق أخر كلها واهية ، والحديثان يدلان على طهارة فم الهرة وطهارة سؤرها .

وإليه ذهب الشافعي والهادي ، وقال أبو حنيفة : بل نجس كالسبع ، لكن خفف فيه فكره سؤره ، واستدل بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من أن " الهرة سبع " في حديث أخرجه أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة بلفظ : { السنور سبع } وبما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم عند سؤاله عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب فقال : { إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء } . وأجيب بأن حديث الباب مصرح بأنها ليست بنجس فيخصص به عموم حديث السباع بعد تسليم ورود ما يقضي بنجاسة السباع .

وأما مجرد الحكم عليها بالسبعية فلا يستلزم أنها نجس إذ لا ملازمة بين النجاسة [ ص: 54 ] والسبعية على أنه قد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة ، قال : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي تكون بين مكة والمدينة فقيل : إن الكلاب والسباع ترد عليها فقال : لها ما أخذت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور } . وأخرج الشافعي والدارقطني والبيهقي في المعرفة وقال : له أسانيد إذا ضم بعضها إلى بعض كانت قوية بلفظ : { أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ قال : نعم وبما أفضلت السباع كلها } .

وأخرج الدارقطني وغيره عن ابن عمر قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسار ليلا فمروا على رجل جالس عند مقراة له وهي الحوض الذي يجتمع فيه الماء ، فقال عمر : أولغت السباع عليك الليلة في مقراتك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا صاحب المقراة لا تخبره هذا متكلف ، لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور } وهذه الأحاديث مصرحة بطهارة ما أفضلت السباع .

وحديث عائشة المذكور في الباب نص في محل النزاع . وأيضا حديث أبي هريرة الذي استدل به أبو حنيفة فيه مقال . ويمكن حمل حديث القلتين المتقدم على أنه إنما كان كذلك ; لأن ورودها على الماء مظنة لإلقائها الأبوال والأزبال عليه . قوله : ( فأصغى لها الإناء ) هو بالصاد المهملة بعدها غين معجمة ذكره في الأساس .

وقال : أصغى الإناء للهرة : أماله . وفي القاموس وأصغى : استمع ، وإليه مال بسمعه والإناء أماله . قوله : ( إنها من الطوافين . . . إلخ ) تشبيه للهرة بخدم البيت الذين يطوفون للخدمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية