صفحة جزء
باب من تحيض ستا أو سبعا لفقد العادة والتمييز

373 - ( عن { حمنة بنت جحش قالت كنت أستحاض حيضة شديدة كثيرة ، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره ، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش قالت : قلت يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصيام ، فقال : أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم ، قالت : هو أكثر من ذلك ، قال : فاتخذي ثوبا ، قالت : هو أكثر من ذلك ، قال : فتلجمي ، قالت : إنما أثج ثجا ، فقال : سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر ، فإن قويت عليهما فأنت أعلم ، فقال لها : إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله ، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت [ ص: 338 ] واستنقيت فصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها ، فصومي فإن ذلك مجزيك ، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن ; وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعا ، ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي ، وتغتسلين مع الفجر وتصلين ، فكذلك فافعلي وصلي وصومي إن قدرت على ذلك ; وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذا أعجب الأمرين إلي } رواه أبو داود وأحمد والترمذي وصححاه ) .


الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه والدارقطني والحاكم ، ونقل الترمذي عن البخاري تحسينه ، وفي إسناده ابن عقيل ، قال البيهقي : تفرد به وهو مختلف في الاحتجاج به . وقال ابن منده : لا يصح بوجه من الوجوه ; لأنهم أجمعوا على ترك حديث ابن عقيل وتعقبه ابن دقيق العيد ، واستنكر منه هذا الإطلاق ; لأن ابن عقيل لم يقع الإجماع على ترك حديثه فقد كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون به ، وقد حمل على أن مراد ابن منده بالإجماع إجماع من خرج الصحيح وهو كذلك . قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه فوهنه ولم يقو إسناده .

وقال الترمذي في كتاب العلل : إنه سأل البخاري عن هذا الحديث فقال : هو حديث حسن إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم لا أدري سمع منه ابن عقيل أم لا ؟ . وهذه علة للحديث أخرى . ويجاب على البخاري بأن إبراهيم بن محمد بن طلحة مات سنة عشر ومائة فيما قاله أبو عبيد القاسم بن سلام وعلي بن المديني وخليفة بن خياط وهو تابعي سمع عبد الله بن عمرو بن العاص وأبا هريرة وعائشة ، وابن عقيل سمع عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك والربيع بنت معوذ ، فكيف ينكر سماعه من إبراهيم بن محمد بن طلحة لقدمه ؟ وأين ابن طلحة من هؤلاء في القدم وهم نظراء شيوخه في الصحبة وقريب منهم في الطبقة ، فينظر في صحة هذا عن البخاري .

وقال الخطابي : قد ترك العلماء القول بهذا الحديث . وأما ابن حزم فإنه رد هذا الحديث بأنواع من الرد ، ولم يعلله بابن عقيل بل علله بالانقطاع بين ابن جريج وابن عقيل ، وزعم أن ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل وبينهما النعمان بن راشد ، قال : وهو ضعيف ; ورواه أيضا عن ابن عقيل شريك وزهير بن محمد وكلاهما ضعيف .

وقال أيضا : عمر بن طلحة الذي رواه إبراهيم بن محمد بن طلحة عنه غير مخلوق لا يعرف لطلحة ابن اسمه عمر ; وقد رد ابن سيد الناس ما قاله ، قال : أما الانقطاع بين ابن جريج وابن عقيل فقد روي من طريق زهير بن محمد عن ابن عقيل ; وأما تضعيفه لزهير هذا فقد أخرج له الشيخان محتجين به في صحيحيهما .

وقال أحمد : مستقيم الحديث . [ ص: 339 ] وقال أبو حاتم : محله الصدق وفي حفظه شيء وحديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق . وقال البخاري في تاريخه الصغير ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير ، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح . وقال عثمان الدارمي : ثقة صدوق وله أغاليط . وقال يحيى : ثقة . وقال ابن عدي : وأهل الشام حيث رووا عنه أخطئوا عليه ; وأما حديثه ههنا فمن رواية أبي عامر العقدي عنه وهو بصري ، فهذا من حديث أهل العراق .

وأما عمر بن طلحة الذي ذكره فلم يسق الحديث من طريقه بل من طريق عمران بن طلحة ، وقد نبه الترمذي على أنه لم يقل : عمر في هذا الإسناد أحد من الرواة إلا ابن جريج وإن غيره يقول : عمران وهو الصواب . وأما شريك الذي ضعفه أيضا فرواه ابن ماجه عن ابن عقيل من طريقه ، وشريك مخرج له في الصحيح .

ومن جملة علل الحديث ما نقله أبو داود عن أحمد أنه قال : إن في الباب حديثين ، وثالثا في النفس منه شيء ، ثم فسر أبو داود الثالث بأنه حديث حمنة ; ويجاب عن ذلك بأن الترمذي قد نقل عن أحمد تصحيحه نصا ، وهو أولى مما ذكره أبو داود ; لأنه لم ينقل التعيين عن أحمد إنما هو شيء وقع له ففسر به كلام أحمد ، وعلى فرض أنه من كلام أحمد فيمكن أن يكون قد كان في نفسه من الحديث شيء ثم ظهرت له صحته .

قوله : ( أنعت لك الكرسف ) أي أصف لك القطن .

قوله : ( فتلجمي ) قال في الصحاح والقاموس : اللجام ما تشد به الحائض . قال الخليل : معناه افعلي فعلا يمنع سيلان الدم واسترساله كما يمنع اللجام استرسال الدابة . وأما الاستثفار : فهو أن تشد فرجها بخرقة عريضة توثق طرفيها في حقب تشده في وسطها بعد أن تحتشي كرسفا فيمنع ذلك الدم . وقولها ( إنما أثج ثجا ) الثج : السيلان وقد استعمل في الحلب في الإناء ، يقال : حلب فيه ثجا ، واستعمل مجازا في الكلام ، يقال للمتكلم مثجاج بكسر الميم .

قوله : ( ركضة من ركضات الشيطان ) أصل الركض الضرب بالرجل والإصابة بها ، وكأنه أراد الإضرار بالمرأة والأذى بمعنى أن الشيطان وجد بذلك سبيلا إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها حتى أنساها بذلك عادتها ، فصار في التقدير كأنه ركض بآلة . قوله : ( فتحيضي ) بفتح التاء الفوقية والحاء المهملة والياء المشددة : أي اجعلي نفسك حائضا . والحديث استدل به من قال : إنها ترجع المستحاضة إلى الغالب من عادة النساء ولكنه كما عرفت مداره على ابن عقيل وليس بحجة ، ولو كان لأمكن الجمع بينه وبين الأحاديث القاضية بالرجوع إلى عادة النفس ، والقاضية بالرجوع إلى التمييز بصفات الدم ، وذلك بأن يحمل هذا الحديث على عدم معرفتها لعادتها وعدم إمكان التمييز بصفات الدم .

واستدل به من قال : إنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد ، وإليه ذهب ابن عباس وعطاء والنخعي ، روى ذلك عنهم ابن سيد الناس في شرح الترمذي : قال [ ص: 340 ] ابن العربي والحديث في ذلك صحيح فينبغي أن يكون مستحبا . انتهى . وعلى فرض صحة الحديث فهذا جمع حسن ; لأنه صلى الله عليه وسلم علق الغسل بقوتها فيكون ذلك قرينة دالة على عدم الوجوب ، وكذا قوله في الحديث : ( أيهما فعلت أجزأ عنك ) .

قال المصنف - رحمه الله - : فيه أن الغسل لكل صلاة لا يجب بل يجزئها الغسل لحيضها الذي تجلسه ، وأن الجمع للمرض جائز ، وأن جمع الفريضتين لها بطهارة واحدة جائز ، وأن تعيين العدد من الستة والسبعة باجتهادها لا بتشبيهها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى إذا رأيت أن قد طهرت واستنقيت ) . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية