صفحة جزء
باب كفارة من أتى حائضا

383 - ( عن ابن عباس { عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار } رواه الخمسة ، وقال أبو داود : هكذا الرواية الصحيحة " قال : دينار أو نصف دينار " وفي لفظ للترمذي { إذا كان دما أحمر فدينار ، وإن كان دما أصفر فنصف دينار } وفي رواية لأحمد { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الحائض تصاب دينارا ، [ ص: 346 ] فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فنصف دينار } كل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ) .


الرواية الأولى أيضا رواها الدارقطني وابن الجارود ، وكل رواتها مخرج لهم في الصحيح إلا مقسما الراوي عن ابن عباس فانفرد به البخاري لكن ما أخرج له إلا حديثا واحدا . وقد صحح حديث الباب الحاكم وابن القطان وابن دقيق العيد . وقال أحمد : ما أحسن حديث عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس فقيل تذهب إليه ، فقال : نعم . وقال أبو داود : وهي الرواية الصحيحة ، وربما لم يرفعه شعبة . وقال قاسم بن أصبغ : رفعه غندر .

قال الحافظ : والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير جدا ، ويجاب عنه بما ذكره أبو الحسن بن القطان ، وهو ممن قال بصحة الحديث إن الإعلال بالاضطراب خطأ ، والصواب أن ينظر إلى رواية كل راو بحسبها ويعلم ما خرج عنه فيها ، فإن صح من طريق قبل ، ولا يضره أن يروى من طرق أخر ضعيفة ، فهم إذا قالوا : روي فيه بدينار وروي بنصف دينار ، وروي باعتبار صفات الدم .

وروي دون اعتبارها ، وروي باعتبار أول الحيض وآخره ، وروي دون ذلك ، وروي بخمسي دينار ، وروي بعتق نسمة ، وهذا عند التدين والتحقيق لا يضره ، ثم أخذ في تصحيح حديث عبد الحميد ، وأكثر أهل العلم زعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس . قال الخطابي : والأصح أنه متصل مرفوع لكن الذمم بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها .

ويجاب عن دعوى الاختلاف في رفعه ووقفه بأن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي رفعوه عن شعبة ، وكذلك وهب بن جرير وسعيد بن عامر والنضر بن شميل وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف . قال ابن سيد الناس : من رفعه عن شعبة أجل وأكثر وأحفظ ممن وثقه ، وأما قول شعبة أسنده إلى الحكم مرة ووقفه مرة فقد أخبر عن المرفوع والموقوف أن كلا عنده ، ثم لو تساوى رافعوه مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح فيه .

قال أبو بكر الخطيب : اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفا وهو مذهب أهل الأصول ، ; لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة للأخرى ، والأخذ بالمرفوع أخذ بالزيادة وهي واجبة القبول : قال الحافظ : وقد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث والجواب عن طرق الطعن فيه بما يراجع منه . وأقر ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان وقواه في الإمام وهو الصواب ، فكم من حديث قد احتجوا به فيه من الاختلاف أكثر مما في هذا كحديث بئر بضاعة وحديث القلتين ونحوهما .

وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في شرح المهذب والتنقيح ; والخلاصة أن الأئمة كلهم خالفوا الحكم في تصحيحه ، وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم ، وتبع النووي في بعض ذلك ابن الصلاح . وأما الرواية الثانية من حديث الباب فأخرجها مع الترمذي البيهقي والطبراني والدارقطني وأبو يعلى والدارمي ، [ ص: 347 ] بعضهم من طريق سفيان عن خصيف وعلي بن بذيمة وعبد الكريم ثلاثتهم عن مقسم ، وبعضهم من طريق أبي جعفر الرازي عن عبد الكريم عن مقسم ، وخصيف فيه مقال ، وعبد الكريم مختلف فيه ، وقيل : مجمع على تركه ، وعلي بن بذيمة فيه أيضا مقال .

وأما الرواية الثالثة من حديث الباب فقد أخرج نحوها البيهقي من حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس .

والحديث يدل على وجوب الكفارة على من وطئ امرأته وهي حائض ، وإلى ذلك ذهب ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعي وإسحاق وأحمد في الرواية الثانية عنه والشافعي في قوله القديم . واختلف هؤلاء في الكفارة ، فقال الحسن وسعيد : عتق رقبة ; وقال الباقون : دينار أو نصف دينار على اختلاف منهم في الحال الذي يجب فيه الدينار أو نصف الدينار بحسب اختلاف الروايات . واحتجوا بحديث الباب .

وقال عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأبو الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري والليث بن سعد ومالك وأبو حنيفة ، وهو الأصح عن الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وجماهير من السلف أنه لا كفارة عليه ، بل الواجب الاستغفار والتوبة . وأجابوا عن الحديث بما سبق من المطاعن ، قالوا والأصل البراءة فلا ينتقل عنها إلا بحجة ، وقد عرفت انتهاض الرواية الأولى من حديث الباب ، فالمصير متحتم إليها ، وعرفت بما أسلفناه صلاحيتها للحجية وسقوط الاعتلالات الواردة عليها .

قال المصنف بعد أن ساق الحديث : وفيه تنبيه على تحريم الوطء قبل الغسل . انتهى . .

التالي السابق


الخدمات العلمية