صفحة جزء
باب تقديم العشاء إذا حضر على تعجيل صلاة المغرب

444 - عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل صلاة المغرب ، ولا تعجلوا عن عشائكم } .

445 - وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال : { إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدءوا بالعشاء ) } .

446 - ( وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء ولا تعجل حتى تفرغ منه } متفق عليهن وللبخاري وأبي داود " وكان ابن عمر يوضع له الطعام ، وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ ، وإنه يسمع قراءة الإمام " ) .


قوله : ( حضر العشاء ) قال في القاموس هو طعام العشي وهو ممدود كسماء .

قوله : ( فابدءوا بالعشاء ) أي بأكله . الحديث الأول يدل على وجوب تقديم العشاء على صلاة المغرب إن حضر ، والحديثان الآخران يدلان على وجوب تقديم العشاء إذا حضر على المغرب وغيرها ، لما يشعر به تعريف الصلاة من العموم . وقال ابن دقيق العيد الألف واللام في الصلاة لا ينبغي أن يحمل على الاستغراق ولا على تعريف الماهية ، بل ينبغي أن يحمل على المغرب بما ورد في بعض الروايات : { إذا وضع العشاء وأحدكم صائم فابدءوا به قبل أن تصلوا } وهو صحيح وكذلك صح أيضا : { فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب } انتهى .

وأنت خبير بأن التنصيص على المغرب لا يقتضي تخصيص عموم الصلاة [ ص: 9 ] لما تقرر في الأصول من أن موافق العام لا يخصص به ، فلا يصلح جعله قرينة لحمل اللازم على ما لا عموم فيه ولو سلم عدم العموم لم يسلم عدم الإطلاق ، وقد تقرر أيضا في الأصول أن موافق المطلق لا يقتضي التقييد ، ولو سلمنا ما ذكره باعتبار أحاديث الباب لتأييده بأن لفظ العشاء يخرج صلاة النهار ، وذلك مانع من حمل اللازم على العموم لم يتم له باعتبار حديث : " لا صلاة بحضرة طعام " عند مسلم وغيره .

ولفظ صلاة نكرة في سياق النفي ولا شك أنها من صيغ العموم . ولإطلاق الطعام وعدم تقييده بالعشاء فذكر المغرب من التنصيص على بعض أفراد العام وليس بتخصيص على أن العلة التي ذكرها شراح الحديث للأمر بتقديم العشاء كالنووي وغيره مقتضية لعدم الاختصاص ببعض الصلوات فإنهم قالوا : إنها اشتغال القلب بالطعام وذهاب كمال الخشوع في الصلاة عند حضوره ، والصلوات متساوية الأقدام في هذا ، وظاهر الأحاديث أنه يقدم العشاء مطلقا سواء كان محتاجا إليه أم لا وسواء كان خفيفا أم لا ، وسواء خشي فساد الطعام أو لا ، وخالف الغزالي فقال قيد خشية فساد الطعام ، والشافعية فزادوا قيد الاحتياج ومالك فزاد قيد أن يكون الطعام خفيفا .

وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الأحاديث ابن حزم والظاهرية ، ورواه الترمذي عن أبي بكر وعمر وابن عمر وأحمد وإسحاق ورواه العراقي عن الثوري فقال يجب تقديم الطعام ، وجزموا ببطلان الصلاة إذا قدمت . وذهب الجمهور إلى الكراهة ، وظاهر الأحاديث أيضا أنه يقدم الطعام وإن خشي خروج الوقت وإليه ذهب ابن حزم ، وذكره أبو سعيد المتولي وجها لبعض الشافعية . ذهب الجمهور إلى أنه إذا ضاق الوقت صلى على حاله محافظة على الوقت ولا يجوز تأخيرها ، قالوا : ; لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا تفوته لأجله وظاهر قوله : " ولا تعجل حتى تفرغ " أنه يستوفي حاجته من الطعام بكمالها ، وهو يرد ما ذكره بعض الشافعية من أنه يقتصر على تناول لقمات يكسر بها سورة الجوع .

قال النووي : وهذا الحديث صريح في إبطاله . وقد استدل بالأحاديث المذكورة على أن الجماعة ليست بواجبة . قال ابن دقيق العيد : وهذا صحيح إن أريد به أن حضور الطعام مع التشوق إليه عذر في ترك الجماعة إن أريد به الاستدلال على أنها ليست بفرض من غير عذر لم يصح ذلك انتهى

ويؤيده أن ابن حبان وهو من القائلين بوجوب الجماعة جعل حضور الطعام عذرا في تركها . وقد استدل أيضا بهذه الأحاديث على التوسعة في وقت المغرب ، وقد تقدم الكلام في ذلك ، وقد ألحق بالطعام ما يحصل بتأخيره تشويش الخاطر بجامع ذهاب الخشوع الذي هو روح الصلاة

وقوله : ( إذا حضر العشاء ووضع عشاء أحدكم ) دليل على اعتبار الحضور الحقيقي ، ومن نظر إلى المعنى من أهل القياس لا يقصر الحكم على الحضور بل يقول به عند وجود المعنى [ ص: 10 ] وهو التشوق إلى الطعام ، ولا شك أن حضور الطعام مؤثر لزيادة الاشتغال به ، والتطلع إليه ، ويمكن أن يكون الشارع قد اعتبر هذه الزيادة في تقديم الطعام ، وقد تقرر في الأصول أن محل النص إذا اشتمل على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يلغ . قال ابن دقيق العيد : إنه لا يبعد إلحاق ما كان متيسر الحضور عن قرب بالحاضر .

التالي السابق


الخدمات العلمية