صفحة جزء
باب تسميتها بالعشاء على العتمة

465 - ( عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 21 ] قال : { لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه ، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا } . متفق عليه : زاد أحمد في روايته عن عبد الرزاق ، فقلت لمالك : أما تكره أن تقول العتمة قال هكذا قال الذي حدثني ) .


قوله : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ) أي من مزيد الفضل وكثرة الأجر قوله : ( لأتوهما ) أي لأتوا المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد . قوله : ( ولو حبوا ) أي زحفا إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير . ولابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء : { ولو حبوا على المرافق والركب } الحديث يدل على استحباب القيام بوظيفة الأذان والملازمة للصف الأول والمسارعة إلى جماعة العشاء والفجر ، وسيأتي الكلام على ذلك ويدل على جواز تسمية العشاء بالعتمة وقد ورد من حديث عائشة عند البخاري بلفظ : { أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعتمة } ومن حديث جابر عند البخاري أيضا بلفظ : { صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء وهي التي تدعو الناس العتمة } ومن حديث غيرهما أيضا

وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر الآتي فقال النووي وغيره : الجواب عن حديث أبي هريرة من وجهين أحدهما : أنه استعمل لبيان الجواز وأن النهي عن العتمة للتنزيه لا للتحريم . والثاني : أنه يحتمل أنه خوطب بالعتمة من لا يعرف العشاء فخوطب بما يعرفه أو استعمل لفظ العتمة ; لأنه أشهر عند العرب ، وإنما كانوا يطلقون العشاء على المغرب كما في صحيح البخاري ومسلم بلفظ : { لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب قال : والأعراب تقول : هي العشاء ، } وقد تقدم هذا الحديث والكلام عليه . وقيل : إن النهي عن تسمية العتمة عتمة ناسخ للجواز ، وفيه أنه يحتاج في مثل ذلك إلى معرفة التاريخ والعلم بتأخر حديث المنع .

قال الحافظ في الفتح : ولا يبعد أن ذلك كان جائزا فلما كثر إطلاقهم له نهوا عنه لئلا تغلب السنة الجاهلية على السنة الإسلامية ، ومع ذلك فلا يحرم ذلك بدليل أن الصحابة الذين رووا النهي استعملوا التسمية المذكورة ، وأما استعمالها في مثل حديث أبي هريرة فلدفع الالتباس بالمغرب والله أعلم ا هـ .

466 - ( وعن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل } . رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه ، وفي رواية لمسلم { لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنها في كتاب الله العشاء وإنها تعتم بحلاب الإبل ) } .

[ ص: 22 ] الحديث أخرج نحوه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن قاله الحافظ . وأخرج نحوه أيضا البيهقي وأبو يعلى من حديث عبد الرحمن بن عوف . كذلك زاد الشافعي في روايته في حديث ابن عمر : وكان ابن عمر إذا سمعهم يقولون العتمة صاح وغضب ، وأخرج عبد الرزاق هذا الموقوف من وجه آخر .

وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال له ميمون بن مهران : من أول من سمى العشاء العتمة ؟ قال : الشيطان والحديث يدل على كراهة تسمية العشاء بالعتمة ، وقد ذهب إلى ذلك ابن عمر وجماعة من السلف ، ومنهم من قال بالجواز ، وقد نقله ابن أبي شيبة عن أبي بكر الصديق وغيره ، ومنهم من جعله خلاف الأولى ، وقد نقله ابن المنذر عن مالك والشافعي واختاره . قال الحافظ وهو الراجح : واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة المتقدم وقد تقرر أن جواز المصير إلى الترجيح مشروط بتعذر الجمع ولم يتعذر ههنا كما عرفت في شرح الحديث الأول

قوله : ( يعتمون ) قد تقدم تفسير ذلك في باب وقت صلاة العشاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية