صفحة جزء
[ ص: 27 ] باب بيان أن من أدرك الصلاة في الوقت فإنه يتمها ووجوب المحافظة على الوقت

474 - ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر } . رواه الجماعة ، وللبخاري : { إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته } ) .

475 - ( وعن عائشة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها . } رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه ، والسجدة هنا الركعة ) .


قوله : ( فقد أدرك ) قال النووي : أجمع المسلمون على أن هذا ليس على ظاهره وأنه لا يكون بالركعة مدركا لكل الصلاة وتكفيه ، وتحصل الصلاة بهذه الركعة بل هو متأول ، وفيه إضمار تقديره ، فقد أدرك حكم الصلاة أو وجوبها أو فضلها انتهى . وقيل : يحمل على أنه أدرك الوقت .

قال الحافظ : وهذا قول الجمهور ، وفي رواية من حديث أبي هريرة { من صلى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس وصلى ما بقي بعد غروب الشمس لم تفته العصر } . وقال مثل ذلك في الصبح .

وفي رواية للبخاري من حديث أبي هريرة أيضا " فليتم صلاته " وللنسائي { فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته } وللبيهقي : " فليصل إليها أخرى " ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحو ذلك ، وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته ; لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة ، وهو مبني على أن الكراهة تتناول الفرض والنفل وهي خلافية مشهورة .

قال الترمذي : وبهذا يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وخالف أبو حنيفة فقال : من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته ، واحتج في ذلك بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث ، قال الحافظ : [ ص: 28 ] وهي دعوى تحتاج إلى دليل وأنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال ، والجمع بين الحديثين ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له من النوافل انتهى قلت : وهذا أيضا جمع بما يوافق مذهب الحافظ ، والحق أن أحاديث النهي عامة تشمل كل صلاة ، وهذا الحديث خاص فيبنى العام على الخاص ، ولا يجوز في ذلك الوقت شيء من الصلوات إلا بدليل يخصه ، سواء كان من ذوات الأسباب أو غيرها ، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت ، وأن صلاته تكون قضاء ، وإليه ذهب الجمهور .

وقال البعض : أداء . والحديث يرده ، واختلفوا إذا أدرك من لا تجب عليه الصلاة كالحائض تطهر والمجنون يعقل والمغمى عليه يفيق والكافر يسلم دون ركعة من وقتها هل تجب عليه الصلاة أم لا ، وفيه قولان للشافعي أحدهما : لا تجب ، وروي عن مالك عملا بمفهوم الحديث وأصحهما عن أصحاب الشافعي أنها تلزمه وبه قال أبو حنيفة ; لأنه أدرك جزءا من الوقت فاستوى قليله وكثيره وأجابوا عن مفهوم الحديث بأن التقيد بركعة خرج مخرج الغالب ولا يخفى ما فيه من البعد ، وأما إذا أدرك أحد هؤلاء ركعة وجبت عليه الصلاة بالاتفاق بينهم ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر ويقرأ أم القرآن ويركع ويرفع ويسجد سجدتين .

والحديث يدل على أن الصلاة التي أدركت منها ركعة قبل خروج الوقت أداء لا قضاء وفي ذلك إشكالات عند أئمة الأصول قوله : ( سجدة ) المراد بها الركعة كما ذكره المصنف ومسلم في صحيحه . وقد ثبت عند الإسماعيلي بلفظ : ركعة مكان سجدة ، فدل على أن الاختلاف في اللفظ وقع من الرواة ، وقد ثبت أيضا عند البخاري من طريق مالك بلفظ : " من أدرك ركعة " قال الحافظ : ولم يختلف على راويها في ذلك فكان عليها الاعتماد .

قال الخطابي : المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها ، والركعة إنما يكون تمامها سجودها فسميت على هذا سجدة انتهى . وإدراك الركعة ، قبل خروج الوقت لا يخص صلاة الفجر والعصر لما ثبت عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ : { من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة } وهو أعم من حديث الباب . قال الحافظ : ويحتمل أن تكون اللام عهدية ويؤيده أن كلا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا مطلق وذاك يعني حديث الباب مقيد فيحمل المطلق على المقيد انتهى

ويمكن أن يقال : إن حديث الباب دل بمفهومه على اختصاص ذلك الحكم بالفجر والعصر ، وهذا الحديث يدل بمنطوقه على أن حكم جميع الصلوات لا يختلف في ذلك ، والمنطوق أرجح من المفهوم فيتعين المصير إليه ولاشتماله على الزيادة التي ليست منافية للمزيد قال النووي : وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز تعمد التأخير إلى هذا الوقت انتهى . وقد قدمنا الكلام على اختصاص هذا الوقت بالمضطرين في أوائل الأوقات فارجع إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية