صفحة جزء
باب ما يقول عند سماع الأذان والإقامة وبعد الأذان

502 - ( عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن } . رواه الجماعة ) .


وفي الباب عن أبي رافع عند النسائي . وعن أبي هريرة عند النسائي أيضا . وعن أم حبيبة عند الطحاوي ، وعن ابن عمر عند أبي داود والنسائي . وعن عائشة عند أبي داود . وعن معاذ عند أبي الشيخ ، وعن معاوية عند النسائي .

قوله : ( إذا سمعتم ) ظاهره اختصاص الإجابة بمن سمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة ، قاله النووي في شرح المهذب

قوله : ( فقولوا مثل ما يقول المؤذن ) ادعى ابن وضاح أن قوله المؤذن مدرج وأن الحديث انتهى عند قوله مثل ما يقول ، وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى ، وقد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباتها ، ولم يصب صاحب العمدة في حذفها قاله الحافظ

قوله : ( مثل ما يقول ) قال الكرماني : قال مثل ما يقول ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمته . قال الحافظ : والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة { أنه كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت } . وأصرح من ذلك حديث عمر بن الخطاب الآتي بعد هذا . والحديث يدل على أنه يقول السامع مثل ما يقول المؤذن في جميع ألفاظ الأذان الحيعلتين وغيرهما ، وقد ذهب الجمهور إلى تخصيص الحيعلتين بحديث عمر الآتي ، فقالوا : يقول مثل ما يقول فيما عدا الحيعلتين ، [ ص: 62 ] وأما في الحيعلتين فيقول : لا حول ولا قوة إلا بالله

وقال ابن المنذر : يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما ، قال : فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة ، وهو وجه عند الحنابلة . والظاهر من قوله في الحديث : فقولوا ، التعبد بالقول وعدم كفاية إمرار المجاوبة على القلب ، والظاهر من قوله : مثل ما يقول ، عدم اشتراط المساواة من جميع الوجوه . قال اليعمري : لاتفاقهم على أنه لا يلزم المجيب أن يرفع صوته ولا غير ذلك . قال الحافظ : وفيه بحث ; لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته ولاحتياج المؤذن إلى الإعلام شرع له رفع الصوت بخلاف السامع فليس مقصوده إلا الذكر ، والسر والجهر مستويان في ذلك . وظاهر الحديث إجابة المؤذن في جميع الحالات من غير فرق بين المصلي وغيره

وقيل : يؤخر المصلي الإجابة حتى يفرغ . وقيل : يجيب إلا في الحيعلتين . قال الحافظ : والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة بل يؤخرها حتى يفرغ ، وكذا حال الجماع والخلاء . قيل : والقول بكراهة الإجابة في الصلاة يحتاج إلى دليل ولا دليل ، ولا يخفى أن حديث { إن في الصلاة لشغلا } دليل على الكراهة ، ويؤيده امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من إجابة السلام فيها وهو أهم من الإجابة للمؤذن . وظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول المؤذن من غير فرق بين الترجيع وغيره .

وفيه متمسك لمن قال بوجوب الإجابة ; لأن الأمر يقتضيه بحقيقته ، وقد حكى ذلك الطحاوي عن قوم من السلف ، وبه قالت الحنفية وأهل الظاهر وابن وهب

وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب . قال الحافظ : واستدلوا بحديث أخرجه مسلم وغيره : { أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا ، فلما كبر قال : على الفطرة ، فلما تشهد قال : خرج من النار } قالوا : فلما قال صلى الله عليه وسلم غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب ، ورد بأنه ليس في الرواية أنه لم يقل مثل ما قال ، وباحتمال أنه وقع ذلك قبل الأمر بالإجابة ، واحتمال أن الرجل الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يؤذن لم يقصد الأذان ، وأجيب عن هذا الأخير بأنه وقع في بعض طرق هذا الحديث أنه حضرته الصلاة ، وقد عرفت غير مرة أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بنا وهذا منه . والظاهر من الحديث التعبد بالقول مثل ما يقول المؤذن ، وسواء كان المؤذن واحدا أو جماعة

قال القاضي عياض : وفيه خلاف بين السلف فمن رأى الاقتصار على الإجابة للأول احتج بأن الأمر لا يقتضي التكرار ويلزمه على ذلك أن يكتفي بإجابة المؤذن مرة واحدة في العمر [ ص: 63 ]

503 - ( وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر قال : أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : الله أكبر الله أكبر قال : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : لا إله إلا الله قال : لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة } . رواه مسلم وأبو داود ) . الحديث أخرج البخاري نحوه من حديث معاوية ، وقال : هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول . قال الحافظ في الفتح : وقد وقع لنا هذا الحديث يعني حديث معاوية وذكر إسنادا متصلا بعيسى بن طلحة قال : { دخلنا على معاوية فنادى مناد بالصلاة فقال : الله أكبر الله أكبر ، فقال معاوية : الله أكبر الله أكبر ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال : أشهد أن محمدا رسول الله فقال معاوية : وأنا أشهد أن محمدا رسول الله ، ولما قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم }

قوله : ( لا حول ولا قوة ) قال النووي في شرح مسلم : قال أبو الهيثم : الحول : الحركة أي لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله تعالى ، وكذا قال ثعلب وآخرون . وقيل : لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله ، وقيل : لا حول عن معصية الله إلا بعصمته ، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته ، وحكي هذا عن ابن مسعود ، وحكى الجوهري لغة غريبة ضعيفة أنه يقال لا حيل ولا قوة إلا بالله ، قال : والحول والحيل بمعنى ، ويقال في التعبير عن قولهم لا حول ولا قوة إلا بالله الحوقلة هكذا ، قال الأزهري والأكثرون وقال الجوهري : الحوقلة فعلى الأول وهو المشهور الحاء والواو من الحول والقاف من القوة واللام من اسم الله ، وعلى الثاني الحاء واللام من الحول والقاف من القوة ، والأول أولى لئلا يفصل بين الحروف ، ومثل الحوقلة الحيعلة في حي على الصلاة وعلى الفلاح . والبسملة في بسم الله ، والحمدلة في : الحمد لله ، والهيللة في لا إله إلا الله ، والسبحلة في سبحان الله ، انتهى كلامه .

قوله : ( دخل الجنة ) قال القاضي عياض : إنما كان كذلك ; لأن ذلك توحيد وثناء على الله تعالى وانقياد لطاعته وتفويض إليه بقوله : لا حول ولا قوة إلا بالله فمن حصل هذا فقد حاز حقيقة الإيمان وكمال الإسلام واستحق الجنة بفضل الله ، وإنما أفرد صلى الله عليه وسلم الشهادتين والحيعلتين في هذا الحديث مع أن [ ص: 64 ] كل نوع منها مثنى كما هو المشروع لقصد الاختصار . قال النووي : فاختصر صلى الله عليه وسلم من كل نوع شطرا تنبيها على باقيه ، والحديث قد تقدم الجمع بينه وبين الحديث الذي قبله .

504 - ( وعن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { أن بلالا أخذ في الإقامة ، فلما أن قال : قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم : أقامها الله وأدامها } وقال في سائر الإقامة بنحو حديث عمر في سائر الأذان رواه أبو داود ) . الحديث في إسناده رجل مجهول ، وشهر بن حوشب تكلم فيه غير واحد ، ووثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ، وفيه دلالة على استحباب مجاوبة المقيم لقوله : وقال في سائر الإقامة بنحو حديث عمر .

وفيه أيضا أنه يستحب لسامع الإقامة أن يقول عند قول المقيم قد قامت الصلاة : أقامها الله وأدامها . قال المصنف رحمه الله تعالى: وفيه دليل على أن السنة أن يكبر الإمام بعد الفراغ من الإقامة انتهى . وفي ذلك خلاف لعله يأتي إن شاء الله تعالى .

505 - ( وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من قال حين يسمع النداء . اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة } . رواه الجماعة إلا مسلما ) .

وفي الباب عن عبد الله بن مسعود عند الطحاوي . وعن أنس عند ابن حبان في فوائد الأصبهانيين له . وعن ابن عباس عند ابن حبان أيضا في كتاب الأذان . وعن أبي أمامة عند الضياء المقدسي ، ورواه الحاكم في المستدرك ، وفيه عفير بن معدان وقد تكلم فيه غير واحد . وعن عبد الله بن عمرو وسيأتي

قوله : ( رب هذه الدعوة التامة ) بفتح الدال ، والمراد بها دعوة التوحيد لقوله تعالى: { له دعوة الحق } وقيل لدعوة التوحيد تامة ; لأنه لا يدخلها تغيير ، ولا تبديل بل هي باقية إلى يوم القيامة . وقال ابن التين : وصفت بالتامة ; لأن فيها أتم القول ، وهو لا إله إلا الله

قوله : ( الوسيلة ) هي ما يتقرب به يقال : توسلت أي تقربت وتطلق على المنزلة العلية وسيأتي تفسيرها في الحديث الذي بعد هذا . قوله : ( والفضيلة ) أي المرتبة الزائدة على سائر الخلائق ويحتمل أن تكون تفسيرا للوسيلة

قوله : ( مقاما محمودا ) أي يحمد القائم فيه ، وهو يطلق على كل ما [ ص: 65 ] يجلب الحمد من أنواع الكرامات ، ونصبه على الظرفية أي : ابعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محمودا أو ضمن ابعثه معنى أقمه أو على أنه مفعول به ، ومعنى ابعثه أعطه ، ويجوز أن يكون حالا أي ابعثه ذا مقام محمود ، والتنكير للتفخيم والتعظيم ، كما قال الطيبي كأنه قال مقاما أي مقام محمود بكل لسان . وقد روي بالتعريف عند النسائي وابن حبان والطحاوي والطبراني والبيهقي ، وهذا يرد على من أنكر ثبوته معرفا كالنووي

قوله : ( الذي وعدته ) أراد بذلك قوله تعالى: { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } وذلك لأن عسى في كلام الله للوقوع . قال الحافظ : والموصول إما بدل أو عطف بيان ، أو خبر مبتدأ محذوف ، وليس صفة للنكرة ، وسيأتي تفسير حلت له الشفاعة في الحديث الذي بعد هذا .

506 - ( وعن عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله بها عليه عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة } . رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه ) .

قوله : ( مثل ما يقول ) قد تقدم الكلام على ذلك

قوله : ( ثم صلوا علي ) هذه زيادة ثابتة في الصحيح ، وقبولها متعين

قوله : ( ثم سلوا الله . . . إلخ ) قد تقدم ذكر بعض الأقوال في تفسير الوسيلة ، والمتعين المصير إلى ما في هذا الحديث من تفسيرها

قوله : ( حلت عليه الشفاعة ) وفي الحديث الأول حلت له الشفاعة ، قال الحافظ : واللام بمعنى على ومعنى حلت أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه ، ولا يجوز أن تكون من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة

قوله : ( شفاعتي ) استشكل بعضهم جعل ذلك ثوابا لقائل ذلك ، مع ما ثبت أن الشفاعة للمذنبين . وأجيب بأن له صلى الله عليه وسلم شفاعات أخر كإدخال الجنة بغير حساب وكرفع الدرجات فيعطى كل أحد ما يناسبه ، ونقل القاضي عياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك بمن قاله مخلصا مستحضرا إجلال النبي صلى الله عليه وسلم لا من قصد ذلك مجرد الثواب ، ونحو ذلك . قال الحافظ : وهو تحكم غير مرضي ، ولو كان لإخراج الغافل اللاهي لكان أشبه ، قال المهلب : في الحديث الحض على الدعاء في أوقات الصلوات لأنه حال رجاء الإجابة .

. . .

التالي السابق


الخدمات العلمية