صفحة جزء
باب النهي عن أخذ الأجرة على الأذان

511 - ( عن عثمان بن أبي العاص قال : { آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا } . رواه الخمسة )


الحديث صححه الحاكم ، وقال ابن المنذر : ثبت { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبي العاص : واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا } وأخرج ابن حبان عن يحيى البكالي قال : سمعت رجلا قال لابن عمر : إني لأحبك في الله ، فقال له ابن عمر : إني لأبغضك في الله ، فقال : سبحان الله أحبك في الله وتبغضني في الله ؟ قال : نعم إنك تسأل على أذانك أجرا .

وروي عن ابن مسعود أنه قال : " أربع لا يؤخذ عليهن أجر : الأذان وقراءة القرآن والمقاسم والقضاء " ذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذي ، وروى ابن أبي شيبة عن الضحاك أنه كره أن يأخذ المؤذن على أذانه جعلا ، ويقول : إن أعطي بغير مسألة فلا بأس وروي أيضا عن معاوية بن قرة أنه قال : كان يقال : لا يؤذن لك إلا محتسب . وقد ذهب إلى تحريم الأجر شرطا على الأذان والإقامة الهادي والقاسم [ ص: 70 ] والناصر وأبو حنيفة وغيرهم . وقال مالك : لا بأس بأخذ الأجر على ذلك . وقال الأوزاعي : يجاعل عليه ولا يؤاجر . وقال الشافعي في الأم : أحب أن يكون المؤذنون متطوعين قال : وليس للإمام أن يرزقهم وهو يجد من يؤذن متطوعا ممن له أمانة إلا أن يرزقهم من ماله ، قال : ولا أحسب أحدا ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد مؤذنا أمينا يؤذن متطوعا ، فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذنا ، ولا يرزقه إلا من خمس الخمس الفضل

وقال ابن العربي : الصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان والصلاة والقضاء وجميع الأعمال الدينية ، فإن الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله ، وفي كل واحد منها يأخذ النائب أجره كما يأخذ المستنيب . والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة } ا هـ . فقاس المؤذن على العامل ، وهو قياس في مصادمة النص ، وفتيا ابن عمر التي مرت لم يخالفها أحد من الصحابة كما صرح بذلك اليعمري . وقد عقد ابن حبان ترجمة على الرخصة في ذلك ، وأخرج عن أبي محذورة أنه قال : { فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان فأذنت ثم أعطاني حين قضيت التأذين صرة فيها شيء من فضة } وأخرجه أيضا النسائي

قال اليعمري : ولا دليل فيه لوجهين : الأول : أن قصة أبي محذورة أول ما أسلم ; لأنه أعطاه حين علمه الأذان وذلك قبل إسلام عثمان بن أبي العاص فحديث عثمان متأخر .

الثاني : أنها واقعة يتطرق إليها الاحتمال ، وأقرب الاحتمالات فيها أن يكون من باب التأليف لحداثة عهده بالإسلام كما أعطى حينئذ غيره من المؤلفة قلوبهم ، ووقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سلبها الاستدلال لما يبقى فيها من الإجمال انتهى . وأنت خبير بأن هذا الحديث لا يرد على من قال : إن الأجرة إنما تحرم إذا كانت مشروطة إلا إذا أعطيها بغير مسألة والجمع بين الحديثين بمثل هذا حسن .

التالي السابق


الخدمات العلمية