صفحة جزء
[ ص: 77 ] باب بيان أن السرة والركبة ليستا من العورة

521 - ( عن أبي موسى { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء فكشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها } . رواه البخاري ) .


الحديث في البخاري في كتاب الصلاة باللفظ الذي ذكرناه في شرح حديث عائشة ، وقد تقدم الكلام على الحديث هنالك ، وهو بهذا اللفظ المذكور هنا في المناقب من صحيح البخاري . واستدل المصنف به وبما بعده لمذهب من قال : إن الركبة والسرة ليستا من العورة ، أما الركبة فقال الشافعي : إنها ليست عورة ، وقال الهادي والمؤيد بالله وأبو حنيفة وعطاء وهو قول للشافعي : إنها عورة . وأما السرة فالقائلون بأن الركبة عورة قائلون بأنها غير عورة وخالفهم في ذلك الشافعي ، فقال : إنها عورة على عكس ما مر له في الركبة

والاحتجاج بحديث الباب لمن قال : إن الركبة ليست بعورة لا يتم ; لأن الكشف كان لعذر الدخول في الماء ، وقد تقدم في الغسل أدلة جوازه والخلاف فيه ، وأيضا تغطيتها من عثمان مشعر بأنها عورة وإن أمكن تعليل التغطية بغير ذلك فغاية الأمر الاحتمال . واستدل القائلون بأن الركبة من العورة بحديث أبي أيوب عند الدارقطني والبيهقي بلفظ : { عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته } وحديث أبي سعيد مرفوعا عند الحارث بن أبي أسامة في مسنده بلفظ : { عورة الرجل ما بين سرته وركبته } وحديث عبد الله بن جعفر عند الحاكم بنحوه قالوا : والحد يدخل في المحدود كالمرفق وتغليبا لجانب الحصر

ورد أولا بأن حديث أبي أيوب فيه عباد بن كثير وهو متروك ، وحديث أبي سعيد فيه شيخ الحارث بن أبي أسامة داود بن المحبر ، رواه عن عباد بن كثير عن أبي عبد الله الشامي عن عطاء عنه ، وهو مسلسل بالضعفاء إلى عطاء . وحديث عبد الله بن جعفر عن أصرم بن حوشب وهو متروك ، وبالمنع من دخول الحد في المحدود والقياس على الوضوء باطل ، لأنه دخل بدليل آخر ولأن غسله من مقدمة الواجب وأيضا يلزمهم القول بأن السرة عورة وهم لا يقولون بذلك الجواب . وقد استدل المهدي في البحر للقائلين بأن الركبة عورة لا السرة بقوله صلى الله عليه وسلم : { أسفل من سرته إلى ركبته } وبتقبيل أبي هريرة سرة الحسن وروايته ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي

ويمكن الاستدلال لمن قال : إن السرة والركبة ليستا من العورة بما في سنن أبي داود والدارقطني وغيرهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في حديث : { وإذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة } ورواه البيهقي أيضا ولكنه أخص من الدعوى والدليل على مدعي [ ص: 78 ] أنهما عورة ، والواجب البقاء على الأصل والتمسك بالبراءة حتى ينتهض ما يتعين به الانتقال فإن لم يوجد فالرجوع إلى مسمى العورة لغة هو الواجب ، ويضم إليه الفخذان بالنصوص السالفة .

522 - ( وعن عمير بن إسحاق قال : { كنت مع الحسن بن علي فلقينا أبو هريرة فقال : أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ، فقال بقميصه فقبل سرته } . رواه أحمد ) . الحديث في إسناده عمير بن إسحاق الهاشمي مولاهم ، وفيه مقال . وقد أخرجه الحاكم وصححه بإسناد آخر من طريق غير عمير المذكور ، وقد استدل به من قال : إن السرة ليست بعورة ، وهو لا يفيد المطلوب لأن فعل أبي هريرة لا حجة فيه ، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقع والحسن طفل ، وفرق بين عورة الصغير والكبير ، وإلا لزم أن ذكر الرجل ليس بعورة لما روي { أنه صلى الله عليه وسلم قبل زبيبة الحسن أو الحسين } أخرجه الطبراني والبيهقي من حديث أبي ليلى الأنصاري ، قال البيهقي : وإسناده ليس بالقوي ، وروي أيضا من حديث ابن عباس بلفظ : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرج ما بين فخذي الحسين وقبل زبيبته } أخرجه الطبراني وفي إسناده قابوس بن أبي ظبيان وقد ضعفه النسائي قال ابن الصلاح : ليس في حديث أبي ليلى تردد بين الحسن والحسين إنما هو الحسن ، وقد وقع الإجماع على أن القبل والدبر عورة فاللازم باطل فلا يكون الحديث متمسكا لمن قال : إن السرة ليست بعورة ، وقد حكى المهدي في البحر الإجماع على أن سرة الرجل ليست بعورة ، ثم قال : وفي دعوى الإجماع نظر ، وقد عرفناك أن القائل بذلك غير محتاج إلى الاستدلال عليه

قوله : ( فقال بقميصه ) هذا من التعبير بالقول عن الفعل وهو كثير .

523 - ( وعن عبد الله بن عمرو قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ، فرجع من رجع ، وعقب من عقب ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا قد حفزه النفس قد حسر عن ركبتيه فقال { أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم يقول : انظروا إلى عبادي قد صلوا فريضة ، وهم ينتظرون أخرى } رواه ابن ماجه ) . الحديث رجاله في سنن ابن ماجه رجال الصحيح فإنه قال : حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا النضر بن شميل حدثنا حماد عن ثابت عن أيوب عن عبد الله بن عمرو فذكره . قوله [ ص: 79 ] وعقب من عقب ) يقال : عقبه تعقيبا إذا جاء بعقبه . وقال في النهاية : إن معنى قوله عقب أي أقام في مصلاه بعد ما يفرغ من الصلاة ، يقال صلى القوم وعقب فلان

قوله : ( حفزه النفس ) في القاموس حفزه يحفزه دفعه من خلفه وبالرمح طعنه وعن الأمر أعجله وأزعجه ا هـ .

والحديث من أدلة من قال : إن الركبة ليست بعورة ، وقد تقدم الكلام على ذلك . وفيه أن انتظار الصلاة بعد فعل الصلاة من موجبات الأجر وأسباب مباهاة رب العزة لملائكته بمن فعل ذلك .

524 - ( وعن { أبي الدرداء قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما صاحبكم فقد غامر فسلم } وذكر الحديث . رواه أحمد والبخاري ) .

قوله : ( غامر ) المغامر في الأصل الملقي بنفسه في الغمرة ، وغمرة الشيء شدته ومزدحمه ، الجمع غمرات . والمراد بالمغامرة هنا المخاصمة أخذا من الغمر الذي هو الحقد والبغض . والحديث يدل على أن الركبة ليست عورة . قال المصنف رحمه الله: والحجة منه أنه أقره على كشف الركبة ولم ينكر عليه ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية