صفحة جزء
باب استحباب الصلاة في ثوبين وجوازها في الثوب الواحد

534 - ( عن أبي هريرة { أن سائلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد ، فقال : أولكلكم ثوبان ؟ } . رواه الجماعة إلا الترمذي زاد البخاري في رواية : ثم سأل رجل عمر فقال : إذا وسع الله فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه ، صلى رجل في إزار ورداء ، في إزار وقميص ، في إزار وقبا ، في سراويل ورداء ، في سراويل وقميص ، في سراويل وقبا ، في تبان وقبا ، في تبان وقميص . قال : وأحسبه قال : في تبان ورداء ) .


قوله : ( إن سائلا ) ذكر شمس الأئمة السرخسي الحنفي في كتابه المبسوط أن السائل ثوبان .

قوله : ( أولكلكم ثوبان ) قال الخطابي : لفظه استخبار ومعناه الإخبار على ما هم عليه من قلة الثياب ووقع في ضمنه الفتوى من طريق الفحوى ، كأنه يقول : إذا علمتم أن ستر العورة فرض ، والصلاة لازمة ، وليس لكل أحد منكم ثوبان فكيف لم تعلموا أن [ ص: 88 ] الصلاة في الثوب الواحد جائزة ، أي مع مراعاة ستر العورة . وقال الطحاوي : معناه : لو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد لكرهت لمن لا يجد إلا ثوبا واحدا ا هـ .

قال الحافظ : وهذه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره ، والسؤال إنما كان عن الجواز وعدمه لا عن الكراهة .

قوله : ( ثم سأل رجل عمر ) يحتمل أن يكون ابن مسعود لأنه اختلف هو وأبي بن كعب فقال أبي : الصلاة في الثوب الواحد غير مكروهة ، وقال ابن مسعود : إنما كان ذلك وفي الثياب قلة ، فقام عمر على المنبر فقال : القول ما قال أبي ولم يأل ابن مسعود أي لم يقصر أخرجه عبد الرزاق .

قوله : ( جمع رجل ) هذا من قول عمر وأورده بصيغة الخبر ، ومراده الأمر . قال ابن بطال : يعني ليجمع وليصل . وقال ابن المنير : الصحيح أنه كلام في معنى الشرط كأنه قال : إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن ثم فصل الجمع بصور . قال ابن مالك : تضمن هذا فائدتين . الأولى : ورود الماضي بمعنى الأمر في قوله صلى والمعنى ليصل والثانية : حذف حرف العطف ، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم : { تصدق امرؤ من ديناره من درهمه من صاع تمره } .

قوله : ( في سراويل ) قال ابن سيده : السراويل فارسي معرب يذكر ويؤنث ، ولم يعرف أبو حاتم السجستاني التذكير ، والأشهر عدم صرفه .

قوله : ( وقبا ) بالقصر وبالمد . قيل : هو فارسي معرب ، وقيل : عربي مشتق من قبوت الشيء إذا ضممت أصابعك سمي بذلك لانضمام أطرافه .

قوله : ( في تبان ) التبان بضم المثناة وتشديد الموحدة ، وهو على هيئة السراويل . إلى أنه ليس له رجلان وهو يتخذ من جلد .

قوله : ( وأحسبه ) القائل أبو هريرة والضمير في أحسبه راجع إلى عمر ، ومجموع ما ذكر عمر من الملابس ستة ، ثلاثة للوسط وثلاثة لغيره ، فقدم ملابس الوسط لأنها محل ستر العورة ، وقدم أسترها وأكثرها استعمالا لهم ، وضم إلى كل واحد واحدا فخرج من ذلك تسع صور من ضرب ثلاثة في ثلاثة ، ولم يقصد الحصر في ذلك بل يلحق به ما يقوم مقامه . والحديث يدل على أن الصلاة في الثوب الواحد صحيحة ، ولم يخالف في ذلك إلا ابن مسعود ، وقد تقدم ذلك ، وتقدم قول النووي : لا أعلم صحته ، وتقدم الإجماع على أن الصلاة في ثوبين أفضل ، صرح بذلك القاضي عياض وابن عبد البر والقرطبي والنووي ، وفي قول ابن المنذر : واستحب بعضهم الصلاة في ثوبين إشعار بالخلاف .

535 - ( وعن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد متوشحا به } . متفق عليه ) . الحديث أخرجه مسلم من رواية سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر ومن رواية عمرو بن الحارث ، عن أبي الزبير ، ورواه أبو داود من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه ، قال : " أمنا جابر " الحديث ولم يخرجه البخاري من حديث جابر بهذا [ ص: 89 ] اللفظ الذي ذكره المصنف ، بل أخرج نحوه من حديث عمر بن أبي سلمة الذي سيأتي .

قوله : ( متوشحا به ) قال ابن عبد البر حاكيا عن الأخفش : إن التوشح هو أن يأخذ طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى فيلقيه على منكبه الأيمن ويلقي طرف الثوب الأيمن من تحت يده اليمنى على منكبه الأيسر ، قال : وهذا التوشح الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في ثوب واحد متوشحا به . والحديث يدل على جواز الصلاة في الثوب الواحد إذا توشح به المصلي ، وقد تقدم الكلام في ذلك .

536 - ( وعن عمر بن أبي سلمة قال : { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد متوشحا به في بيت أم سلمة قد ألقى طرفيه على عاتقيه } . رواه الجماعة ) . قوله : ( متوشحا به ) في البخاري والترمذي " مشتملا " . وفي بعض روايات مسلم " ملتحفا " به وقد جعلها النووي بمعنى واحد ، فقال : المشتمل والمتوشح والمخالف بين طرفيه معناه واحد هنا ، وقد سبقه إلى ذلك الزهري ، وفرق الأخفش بين الاشتمال والتوشح فقال : إن الاشتمال هو أن يلتف الرجل بردائه أو بكسائه من رأسه إلى قدمه ويرد طرف الثوب الأيمن على منكبه الأيسر ، قال : والتوشح وذكر ما قدمناه عنه في شرح الحديث الذي قبل هذا ، وفائدة التوشح والاشتمال والالتحاف المذكورة في هذه الأحاديث أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع ولئلا يسقط الثوب عند الركوع والسجود ، قاله ابن بطال .

قوله : ( قد ألقى طرفيه على عاتقيه ) قد تقدم الكلام في ذلك . والحديث يدل على أن الصلاة في الثوب الواحد صحيحة إذا توشح به المصلي أو وضع طرفا على عاتقه أو خالف بين طرفيه ، وقد تقدم الكلام في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية