صفحة جزء
باب النهي عن السدل والتلثم في الصلاة

539 - ( عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة ، وأن يغطي الرجل فاه } رواه أبو داود ، ولأحمد والترمذي عنه النهي عن السدل ، ولابن ماجه النهي عن تغطية [ ص: 91 ] الفم ) .


الحديث قال الترمذي : لا نعرفه من حديث عطاء عن أبي هريرة مرفوعا إلا من حديث عسل بن سفيان ، وأخرجه الحاكم في المستدرك من الطريق التي رواها أبو داود بالزيادة التي ذكرها ، وقال : هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجا فيه تغطية الرجل فاه في الصلاة ا . هـ . وكلامه هذا يفهم أنهما أخرجا أصل الحديث مع أنهما لم يخرجاه .

وفي الباب عن أبي جحيفة عند الطبراني في معاجمه الثلاثة ، والبزار في مسنده وفي إسناده حفص بن أبي داود وقد اختلف فيه عليه ، وهو ضعيف ، وكذلك أبو مالك النخعي وقد ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم ، قال البيهقي : وقد كتبناه من حديث إبراهيم بن طهمان عن الهيثم فإن كان محفوظا فهو أحسن من رواية حفص .

وفي الباب أيضا عن ابن مسعود عند البيهقي ، وقد تفرد به بسر بن رافع وليس بالقوي . وعن ابن عباس عند ابن عدي في الكامل وفي إسناده عيسى بن قرطاس وليس بثقة ، وقال النسائي : متروك الحديث . وقال ابن عدي : هو ممن يكتب حديثه . وقد اختلف الأئمة في الاحتجاج بحديث الباب فمنهم من لم يحتج به لتفرد عسل بن سفيان ، وقد ضعفه أحمد . قال الخلال : سئل أحمد عن حديث السدل في الصلاة من حديث أبي هريرة فقال : ليس هو بصحيح الإسناد . وقال : عسل بن سفيان غير محكم الحديث ، وقد ضعفه الجمهور يحيى بن معين وأبو حاتم والبخاري وآخرون ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : يخطئ ويخالف على قلة روايته ا هـ .

وقد أخرج له الترمذي هذا الحديث فقط ، وأبو داود أخرج له هذا وحديثا آخر ، وقد تقدم تصحيح الحاكم حديث أبي هريرة . وعسل بن سفيان لم يتفرد به فقد شاركه في الرواية عن عطاء الحسن بن ذكوان وترك يحيى له لم يكن إلا لقوله إنه كان قدريا وقد قال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به .

قوله : ( نهى عن السدل ) قال أبو عبيدة في غريبه : السدل : إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه فإن ضمه فليس بسدل ، وقال صاحب النهاية : هو أن يلتحف بثوبه ، ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد ، وهو كذلك قال : وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب قال : وقيل : هو أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه . وقال الجوهري : سدل ثوبه يسدله بالضم سدلا أي أرخاه . وقال الخطابي : السدل : إرسال الثوب حتى يصيب الأرض ا هـ .

فعلى هذا السدل والإسبال واحد ، قال العراقي : ويحتمل أن يراد بالسدل : سدل الشعر ، ومنه حديث ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم سدل ناصيته } وفي حديث عائشة " أنها [ ص: 92 ] سدلت قناعها وهي محرمة " أي أسبلته ا هـ . ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعاني إن كان السدل مشتركا بينها ، وحمل المشترك على جميع معانيه هو المذهب القوي وقد روي أن السدل من فعل اليهود ، أخرج الخلال في العلل وأبو عبيد في الغريب من رواية عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن علي أنه خرج فرأى قوما يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال : كأنهم اليهود خرجوا من قهرهم ، قال أبو عبيد : هو موضع مدارسهم الذي يجتمعون فيه .

قال صاحب الإمام : والقهر بضم القاف وسكون الهاء موضع مدارسهم الذي يجتمعون فيه ، وذكره في القاموس والنهاية في الفاء لا في القاف . والحديث يدل على تحريم السدل في الصلاة لأنه معنى النهي الحقيقي ، وكرهه ابن عمر ومجاهد وإبراهيم النخعي والثوري والشافعي في الصلاة وغيرها . وقال أحمد : يكره في الصلاة وقال جابر بن عبد الله وعطاء والحسن وابن سيرين ومكحول والزهري : لا بأس به ، وروي ذلك عن مالك ، وأنت خبير بأنه لا موجب للعدول عن التحريم إن صح الحديث لعدم وجدان صارف له عن ذلك .

قوله : ( وأن يغطي الرجل فاه ) قال ابن حبان : لأنه من زي المجوس قال : وإنما زجر عن تغطية الفم في الصلاة على الدوام لا عند التثاؤب بمقدار ما يكظمه لحديث { إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه فإن الشيطان يدخل } وهذا لا يتم إلا بعد تسليم عدم اعتبار قيد في الصلاة المصرح به في المعطوف عليه في جانب المعطوف ، وفيه خلاف ونزاع . وقد استدل به على كراهة أن يصلي الرجل متلثما كما فعل المصنف .

التالي السابق


الخدمات العلمية