صفحة جزء
541 - ( وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } متفق عليه ، ولأحمد : { من صنع أمرا على غير أمرنا فهو مردود } ) .


قوله : ( ليس عليه أمرنا ) المراد بالأمر هنا واحد الأمور ، وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

قوله : ( فهو رد ) المصدر بمعنى اسم المفعول كما بينته الرواية الأخرى ، قال في الفتح : يحتج به في إبطال جميع العقود المنهية وعدم وجود ثمراتها المترتبة عليها ، وأن النهي يقتضي الفساد ; لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين ، فيجب ردها ، ويستفاد منه أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر ، لقوله : " ليس عليه أمرنا " والمراد به أمر الدين ، وفيه أن الصلح الفاسد منتقض ، والمأخوذ عليه مستحق الرد ا هـ .

وهذا الحديث من قواعد الدين ; لأنه يندرج تحته من الأحكام ما لا يأتي عليه الحصر . وما أصرحه وأدله على إبطال ما فعله الفقهاء من تقسيم البدع إلى أقسام وتخصيص الرد ببعضها بلا مخصص من عقل ولا نقل فعليك إذا سمعت من يقول هذه بدعة حسنة بالقيام في مقام المنع مسندا له بهذه الكلية وما يشابهها من نحو قوله صلى الله عليه وسلم : { كل بدعة ضلالة } طالبا لدليل تخصيص تلك البدعة التي وقع النزاع في شأنها بعد الاتفاق على أنها بدعة ، فإن جاءك به قبلته ، وإن كاع كنت قد ألقمته حجرا واسترحت من المجادلة .

ومن مواطن الاستدلال لهذا الحديث كل فعل أو ترك وقع الاتفاق بينك وبين خصمك على أنه ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفك في اقتضائه البطلان أو الفساد متمسكا بما تقرر في الأصول من أنه لا يقتضي ذلك إلا عدم أمر يؤثر عدمه في العدم ، كالشرط أو وجود أمر يؤثر [ ص: 94 ] وجوده في العدم كالمانع ، فعليك بمنع هذا التخصيص الذي لا دليل عليه إلا مجرد الاصطلاح مسندا لهذا المنع بما في حديث الباب من العموم المحيط بكل فرد من أفراد الأمور التي ليست من ذلك القبيل قائلا : هذا أمر ليس من أمره ، وكل أمر ليس من أمره رد فهذا رد وكل رد باطل ، فهذا باطل ، فالصلاة مثلا التي ترك فيها ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو فعل فيها ما كان يتركه ليست من أمره ، فتكون باطلة بنفس هذا الدليل ، سواء كان ذلك الأمر المفعول أو المتروك مانعا باصطلاح أهل الأصول ، أو شرطا أو غيرهما ، فليكن منك هذا على ذكر .

قال في الفتح : وهذا الحديث معدود من أصول الإسلام ، وقاعدة من قواعده ، فإن معناه : من اخترع من الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه قال النووي : هذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به كذلك . وقال الطوخي : هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع ، لأن الدليل يتركب من مقدمتين ، والمطلوب بالدليل إما إثبات الحكم أو نفيه . وهذا الحديث مقدمة كبرى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه لأن منطوقه مقدمة كلية ، مثل أن يقال في الوضوء بماء نجس : هذا ليس من أمر الشرع ، وكل ما كان كذلك فهو مردود فهذا العمل مردود ، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الدليل ، وإنما يقع النزاع في الأولى ، ومفهومه أن من عمل عملا عليه أمر الشرع فهو صحيح ، ولو اتفق أن يوجد حديث يكون مقدمة أولى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه لاستقل الحديثان بجمع أدلة الشرع ، لكن هذا الثاني لا يوجد ، فإذن حديث الباب نصف أدلة الشرع ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية