صفحة جزء
باب في أن افتراش الحرير كلبسه

549 - ( عن حذيفة قال : { نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه } . رواه البخاري ) .


الحديث قد تقدم الكلام عليه في باب الأواني ، وقوله : ( وأن نجلس عليه ) يدل على تحريم الجلوس على الحرير ، وإليه ذهب الجمهور ، كذا في الفتح بأنه مذهب الجمهور ، وبه قال عمر وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص ، وإليه ذهب الناصر والمؤيد بالله والإمام يحيى . وقال القاسم وأبو طالب والمنصور بالله وأبو حنيفة وأصحابه .

وروي عن ابن عباس وأنس أنه يجوز افتراش الحرير ، وبه قال ابن الماجشون ، وبعض الشافعية . واحتج لهم في [ ص: 101 ] البحر بأن الفراش موضع إهانة وبالقياس على الوسائد المحشوة بالقز ، قال : إذ لا خلاف فيها ، وهذا دليل باطل لا ينبغي التعويل عليه في مقابلة النصوص ، كحديث الباب والحديث الآتي بعده ، وقد تقرر عند أئمة الأصول وغيرهم بطلان القياس المنصوب في مقابلة النص ، وأنه فاسد الاعتبار ، وعدم حجية أقوال الصحابة لا سيما إذا خالفت الثابت عنه صلى الله عليه وسلم .

550 - ( وعن علي عليه السلام قال : { نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على المياثر ، والمياثر : قسي كانت تصنعه النساء لبعولتهن على الرحل كالقطائف من الأرجوان } رواه مسلم والنسائي ) . قد اتفق الشيخان على النهي عن المياثر من حديث البراء ، وأخرج الجماعة كلهم إلا البخاري حديث عليه السلام علي بلفظ : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن لبس القسي وعن الميثرة } ، وفي رواية مياثر الأرجوان ، ولم يذكر الجلوس إلا في رواية مسلم ، ولهذا ذكره المصنف رحمه الله.

قوله : ( على المياثر ) جمع ميثرة بكسر الميم وبالثاء المثلثة وهي مأخوذة من الوثارة وهي اللين والنعمة وياء ميثرة واو لكنها قلبت لكسر ما قبلها كميزان وميعاد ، وقد فسرها علي بما ذكره مسلم في صحيحه ، كما رواه المصنف عنه ، وكذلك فسرها البخاري في صحيحه . وقد اختلف في تفسير المياثر على أربعة أقوال . منها هذا التفسير المروي عن علي والأخذ به أولى . قوله : ( والمياثر قسي ) القسي بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة على الصحيح . قال أهل اللغة وغريب الحديث : هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس بفتح القاف موضع من بلاد مصر على ساحل البحر قريب من تنيس ، وقيل : إنها منسوبة إلى القز وهو رديء الحرير فأبدلت الزاي سينا .

قوله : ( من الأرجوان ) هو بضم الهمزة والجيم وهو الصوف الأحمر ، كذا في شرح السنن لابن رسلان ، وقيل : الأرجوان : الحمرة ، وقيل : الشديد الحمرة ، وقيل : الصباغ الأحمر القاني . والحديث يدل على تحريم الجلوس على ما فيه حرير ، وقد خصص بعضهم بالمذهب ، فقال : إن كان حرير الميثرة أكثر أو كانت جميعها من الحرير فالنهي للتحريم ، وإلا فالنهي للتنزيه ، والاستدلال بهذا الحديث . على تحريم ذلك على الأمة مبني على أن خطابه صلى الله عليه وسلم لواحد خطاب لبقية الأمة ، والحكم عليه حكم عليهم ، وفي ذلك خلاف في الأصول مشهور ، وقد ثبت في غير هذه الرواية بلفظ : " نهى " كما عرفت ، وهو دليل على عدم اختصاص ذلك بعلي عليه السلام . .

التالي السابق


الخدمات العلمية