صفحة جزء
باب نضح بول الغلام إذا لم يطعم

30 - ( عن أم قيس بنت محصن { أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه عليه ولم يغسله } . رواه الجماعة )

31 - ( وعن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل } قال قتادة : وهذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا [ ص: 65 ] جميعا . رواه أحمد والترمذي وقال : حديث حسن ) .

32 - ( وعن عائشة قالت : { أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه فبال عليه فأتبعه الماء } رواه البخاري وكذلك أحمد وابن ماجه وزاد : ولم يغسله . ولمسلم { كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم فأتي بصبي فبال عليه ، فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله } ) .

33 - ( وعن أبي السمح خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام } . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ) .

34 - ( وعن أم كرز الخزاعية قالت : { أتي النبي صلى الله عليه وسلم بغلام فبال عليه فأمر به فنضح ، وأتي بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل } . رواه أحمد ) .

35 - ( وعن أم كرز أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل } . رواه ابن ماجه ) .

36 - ( وعن أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت : { بال الحسين بن علي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أعطني ثوبك والبس ثوبا غيره حتى أغسله فقال : إنما ينضح من بول الذكر ويغسل من بول الأنثى } . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ) .


حديث علي أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح لأنه من طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عنه . وأخرجه أيضا أبو داود موقوفا من حديث مسدد عن يحيى عن ابن أبي عروبة عن قتادة بالإسناد السابق إلى علي موقوفا بلفظ : { يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعم } . وأخرجه أيضا مرفوعا من حديثه بدون " ما لم يطعم " ، وجعله من قول قتادة . وكذلك أخرج عن أم سلمة " أنها كانت تصب على بول الغلام ما لم يطعم ، فإذا طعم غسلته وكانت تغسل [ ص: 66 ] بول الجارية " .

وحديث أبي السمح أخرجه أيضا البزار وابن خزيمة من حديثه بلفظ : { كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بحسن أو بحسين فبال على صدره ، فجئت أغسله ، فقال : يغسل } الحديث . وصححه الحاكم ، قال أبو زرعة والبزار : ليس لأبي السمح غير هذا الحديث ولا يعرف اسمه . وقال البخاري حديث حسن .

وحديث أم كرز الأول والثاني في إسنادهما انقطاع لأنهما من طريق عمرو بن شعيب عنها ولم يدركها ، وقد اختلف فيه على عمرو بن شعيب فقيل : عنه عن أبيه عن جده كما رواه الطبراني .

وحديث أم الفضل أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والطبراني .

قوله : ( يأكل الطعام ) المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرضعه والتمر الذي يحنك به ، والعسل الذي يلعقه للمداواة ، وغير ذلك . وقيل : المراد بالطعام ما عدا اللبن فقط ذكر الأول النووي في شرح مسلم وشرح المهذب وأطلق في الروضة تبعا لأصلها الثاني ، وقال في نكت التنبيه : إن لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه ، وقيل : لم يأكل : أي لم يستقل بجعل الطعام في فيه ، ذكره الموفق الحموي في شرح التنبيه .

قال الحافظ ابن حجر : والأول أظهر وبه جزم الموفق ابن قدامة وغيره ، وقال ابن التين : يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع ، ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم فيحمل النفي على عمومه .

. قوله : ( على ثوبه ) أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأغرب ابن شعبان من المالكية فقال : المراد به ثوب الصبي . قوله : ( فنضحه ) في صحيح مسلم من طريق الليث عن ابن شهاب ، " فلم يزد على أن نضح بالماء " . وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب " فرشه " زاد أبو عوانة في صحيحه " عليه " .

قال الحافظ : ولا تخالف بين الروايتين أي بين نضح ورش ، لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش وهو تنفيض الماء فانتهى إلى النضح وهو صب الماء . ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير عن هشام " فدعا بماء فصبه عليه " ، ولأبي عوانة " فصبه على البول يتبعه إياه " انتهى . " الذي في النهاية والكشاف والقاموس أن النضح : الرش . قوله : ( ولم يغسله ) ادعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام ابن شهاب راوي الحديث وأن المرفوع انتهى عند فنضحه قال : وكذلك روى معمر عن ابن شهاب ، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة .

قال : فرشه لم يزد . قال الحافظ في الفتح : وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الإدراج . وقد أخرجه عبد الرزاق بنحو سياق مالك . لكنه لم يقل : ولم يغسله ، وقد قالها مع ذلك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن ابن شهاب . أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنهم ، وهو لمسلم عن يونس وحده ، نعم زاد معمر في روايته قال ابن شهاب : فمضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية ، [ ص: 67 ] ولو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لأمكن دعوى الإدراج لكنها غيرها فلا إدراج .

وأما ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك ، فإن ذلك لفظ رواية ابن عيينة عن ابن شهاب ، وقد ذكرناها عن مسلم وغيره . وبينا أنها مخالفة لرواية مالك . قوله : ( بول الغلام الرضيع ) هذا تقييد للفظ الغلام بكونه رضيعا وهكذا يكون تقييدا للفظ الصبي والصغير والذكر الواردة في بقية الأحاديث .

وأما لفظ ما لم يطعم فقد عرفت عدم صلاحيته لذلك لأنه ليس من قوله صلى الله عليه وسلم . وقد شذ ابن حزم فقال : إنه يرش من بول الذكر أي ذكر كان ، وهو إهمال للقيد الذي يجب حمل المطلق عليه كما تقرر في الأصول ، ورواية الذكر مطلقة ، وكذلك رواية الغلام فإنه كما قال في القاموس لمن طر شاربه أو من حين يولد إلى أن يشب ، وقد ثبت إطلاقه على من دخل في سن الشيخوخة .

ومنه قول علي عليه السلام في يوم النهروان :

أنا الغلام القرشي المؤتمن أبو حسين فاعلمن والحسن

وهو إذ ذاك في نحو ستين سنة . ومنه أيضا قول ليلى الأخيلية في مدح الحجاج أيام إمارته على العراق :

شفاها من الداء العضال الذي بها     غلام إذا هز القناة سقاها

ولكنه مجاز قال الزمخشري في أساس البلاغة : إن الغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء ، فإن قيل له بعد ذلك غلام فهو مجاز . قوله : ( بصبي ) قال الحافظ : يظهر لي أنه ابن أم قيس ويحتمل أن يكون الحسن بن علي أو الحسين .

فقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أم سلمة بإسناد حسن قالت : { بال الحسن أو الحسين على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه حتى قضى بوله ثم دعا بماء فصبه عليه } ، ولأحمد عن أبي ليلى نحوه ، ورواه الطحاوي من طريقه قال : فجيء بالحسن ولم يتردد . وكذا للطبراني عن أبي أمامة ، ورجح الحافظ أنه غيره . قوله : ( فأتبعه ) بإسكان المثناة من فوق أي أتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم البول الذي على الثوب الماء .

قوله : ( يحنكه ) قال أهل العلم : التحنيك أن تمضغ التمر أو نحوه ثم تدلك به حنك الصغير . قوله : ( فيبرك عليهم ) أي يدعو لهم ويمسح عليهم . وأصل البركة ثبوت الخير وكثرته . وقد استدل بأحاديث الباب على أن بول الصبي يخالف بول الصبية في كيفية استعمال الماء ، وأن مجرد النضح يكفي في تطهير بول الغلام ، وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب . الأول : الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية ، وهو قول علي عليه السلام وعطاء والزهري وأحمد وإسحاق وابن وهب وغيرهم .

وروي عن مالك وقال أصحابه : هي رواية شاذة ، ورواه [ ص: 68 ] ابن حزم أيضا عن أم سلمة والثوري والأوزاعي والنخعي وداود وابن وهب .

والثاني : يكفي النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعي وحكي عن مالك والشافعي . والثالث : هما سواء في وجوب الغسل وهو مذهب العترة والحنفية وسائر الكوفيين والمالكية ، وأحاديث الباب ترد المذهب الثاني والثالث ، وقد استدل في البحر لأهل المذهب الثالث بحديث عمار المشهور وفيه { إنما تغسل ثوبك من البول } . . . إلخ ، وهو مع اتفاق الحفاظ على ضعفه لا يعارض أحاديث الباب لأنها خاصة وهو عام ، وبناء العام على الخاص واجب ، ولكن جماعة من أهل الأصول منهم مؤلف البحر لا يبنون العام على الخاص إلا مع المقارنة ، أو تأخر الخاص .

وأما مع الالتباس كمثل ما نحن بصدده فقد حكى بعض أئمة الأصول أنه يبنى العام على الخاص اتفاقا ، وصرح صاحب البحر أن الواجب الترجيح مع الالتباس ، ولا يشك من له أدنى إلمام بعلم الحديث أن أحاديث الباب أرجح وأصح من حديث عمار ، وترجيحه لحديث عمار بالظهور غير ظاهر ، وقد جزم صاحب البحر في المعيار وشرحه بأن الواجب مع الالتباس الاطراح فتخالف كلامه .

وجزم صاحب المنار بأن العام متقدم والخاص متأخر ، ولم يذكر بذلك دليلا يشفي . وأما الحنفية والمالكية فاستدلوا لما ذهبوا إليه بالقياس ، فقالوا : المراد بقوله : ولم يغسله : أي غسلا مبالغا فيه ، وهو خلاف الظاهر ، ويبعده ما ورد في الأحاديث من التفرقة بين بول الغلام والجارية فإنهم لا يفرقون بينهما . والحاصل أنه لم يعارض أحاديث الباب شيء يوجب الاشتغال به .

التالي السابق


الخدمات العلمية