صفحة جزء
باب الرخصة في بول ما يؤكل لحمه .

37 - ( عن أنس بن مالك { أن رهطا من عكل أو قال عرينة قدموا فاجتووا المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها } . متفق عليه . اجتووها : أي استوخموها ، وقد ثبت عنه أنه قال : { صلوا في مرابض الغنم } . )


قوله : ( من عكل ) بضم المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تيم . قوله : ( أو عرينة ) بالعين والراء المهملتين مصغرا : حي من قضاعة أو حي من بجيلة ، والمراد هنا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي ، والشك من حماد . ورواه البخاري في المحاربين عن حماد : أن رهطا من عكل أو قال : من عرينة ، قال : ولا أعلمه إلا قال من عكل . ورواه في الجهاد عن وهيب عن أيوب أن رهطا من عكل ، ولم يشك .

وفي الزكاة رواه من طريق شعبة عن قتادة " أن ناسا من عرينة " ولم يشك أيضا . وكذا لمسلم من رواية [ ص: 69 ] معاوية بن قرة عن أنس . ورواه أيضا البخاري في المغازي عن قتادة .

من عكل وعرينة بالواو العاطفة ، قال الحافظ : وهو الصواب ، ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبراني من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس ، قال : " كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل " . وزعم ابن التين تبعا للداودي أن عرينة هم عكل وهو غلط ، بل هما قبيلتان متغايرتان ، فعكل من عدنان وعرينة من قحطان .

قوله : ( فاجتووا ) قال ابن فارس : اجتويت المدينة إذا كرهت المقام فيها وإن كنت في نعمة ، وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة . وقيل : الاجتواء : عدم الموافقة في الطعام ، ذكره القزاز ، وقيل : داء من الوباء ذكره ابن العربي . وقيل : داء يصيب الجوف ، والاجتواء بالجيم .

قوله : ( فأمر لهم بلقاح ) بلام مكسورة فقاف فحاء مهملة النوق ذوات اللبن واحدتها لقحة بكسر اللام وإسكان القاف ، قال أبو عمرو : يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر ثم هي لبون ، واللقاح المذكورة ظاهر الروايات أنها للنبي صلى الله عليه وسلم . وثبت في رواية للبخاري في الزكاة من طريق شعبة عن قتادة بلفظ { فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة } .

قال الحافظ : والجمع بينهما أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة ، وصادف بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج قوله : ( أن يخرجوا فيشربوا ) في رواية للبخاري " وأن يشربوا " أي وأمرهم أن يشربوا .

وفي أخرى له " فاخرجوا فاشربوا " وفي أخرى له أيضا " فرخص لهم أن يأتوا فيشربوا " . قوله : ( وقد ثبت . . . إلخ ) هو ثابت من حديث جابر بن سمرة عند مسلم . ومن حديث البراء عند أبي داود والترمذي وابن ماجه .

قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم : قد صح في هذا الباب حديث البراء بن عازب وجابر بن سمرة . وقد استدل بهذا الحديث من قال بطهارة بول ما يؤكل لحمه ، وهو مذهب العترة والنخعي والأوزاعي والزهري ومالك وأحمد ومحمد وزفر وطائفة من السلف ، ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والإصطخري والروياني . أما في الإبل فبالنص ، وأما في غيرها مما يؤكل لحمه فبالقياس . قال ابن المنذر : ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يصب إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل ، ويؤيد ذلك تقرير أهل العلم لمن يبيع أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم . ويؤيده أيضا أن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة .

وأجيب عن التأييد الأول بأن المختلف فيه لا يجب إنكاره ، وعن الاحتجاج بالحديث بأنها حالة ضرورية وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى: { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } .

التالي السابق


الخدمات العلمية