صفحة جزء
باب حمل المحدث والمستجمر في الصلاة وثياب الصغار وما شك في نجاسته

597 - ( عن أبي قتادة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب ، فإذا ركع وضعها ، وإذا قام حملها } . متفق عليه ) .


قوله : ( وهو حامل أمامة ) قال الحافظ : المشهور في الروايات التنوين ونصب أمامة وروي بالإضافة ، وزاد عبد الرزاق عن مالك بإسناد حديث الباب على عاتقه ، وكذا لمسلم وغيره من طريق أخرى ، ولأحمد من طريق ابن جريج على رقبته . أمامة بضم الهمزة وتخفيف الميمين كانت صغيرة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وتزوجها علي بعد موت فاطمة بوصية منها . قوله : ( فإذا ركع وضعها ) هكذا في صحيح مسلم والنسائي وأحمد وابن حبان ، كلهم عن عامر بن عبد الله شيخ مالك . ورواية البخاري عن مالك " فإذا سجد " . ولأبي داود من طريق المقبري عن عمرو بن سليم " حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد ، حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها " وهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه لا منها ، وهو يرد تأويل الخطابي حيث قال : يشبه أن تكون الصبية قد ألفته ، فإذا سجد تعلقت بأطرافه والتزمته ، فينهض من سجوده فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها . ويرد أيضا قول ابن دقيق العيد : إن لفظ حمل لا يساوي لفظ وضع في اقتضاء فعل الفاعل . لأنا نقول : فلان حمل كذا ولو كان غيره حمله ، بخلاف وضع . فعلى هذا فالفعل الصادر منه هو الوضع لا الرفع ، [ ص: 143 ] فيقل العمل انتهى . لأن قوله : " حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها " صريح في أن الرفع صادر منه صلى الله عليه وسلم ، وقد رجع ابن دقيق العيد إلى هذا فقال : وقد كنت أحسب هذا : يعني الفرق بين حمل ووضع ، وأن الصادر منه الوضع لا الرفع حسنا إلى أن رأيت في بعض طرقه الصحيحة " فإذا قام أعادها " انتهى . وهذه الرواية في صحيح مسلم . ولأحمد " فإذا قام حملها فوضعها على رقبته "

. والحديث يدل على أن مثل هذا الفعل معفو عنه من غير فرق بين الفريضة والنافلة والمنفرد والمؤتم والإمام ، لما في صحيح مسلم من زيادة " وهو يؤم الناس في المسجد " وإذا جاز ذلك في حال الإمامة في صلاة الفريضة جاز في غيرها بالأولى . قال القرطبي : وقد اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث ، والذي أحوجهم إلى ذلك أنه عمل كثير ، فروى ابن القاسم عن مالك أنه كان في النافلة ، واستبعده المازري وعياض وابن القاسم . قال المازري : إمامته بالناس في النافلة ليست بمعهودة ، وأصرح من هذا ما أخرجه أبو داود بلفظ { بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر وقد دعاه بلال إلى الصلاة إذ خرج علينا وأمامة على عاتقه فقام في مصلاه فقمنا خلفه ، فكبر فكبرنا وهي في مكانها } وروى أشهب وعبد الله بن نافع عن مالك أن ذلك للضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها ، وقال بعض أصحابه : لأنه لو تركها لبكت وشغلته أكثر من شغلته بحملها .

وفرق بعض أصحابه بين الفريضة والنافلة . وقال الباجي : إن من وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة دون الفريضة ، وإن لم يجد جاز فيهما . قال القرطبي : وروي عن عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك أن الحديث منسوخ . قال الحافظ : روى ذلك عنه الإسماعيلي ، لكنه غير صريح . وقال ابن عبد البر : لعل الحديث منسوخ بتحريم العمل والاشتغال في الصلاة وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ، وبأن القضية كانت بعد قوله صلى الله عليه وسلم : { إن في الصلاة لشغلا } لأن ذلك كان قبل الهجرة ، وهذه القصة كانت بعد الهجرة بمدة مديدة قطعا ، قاله الحافظ . وقال القاضي عياض : إن ذلك كان من خصائصه . ورد بأن الأصل عدم الاختصاص .

قال النووي بعد أن ذكر هذه التأويلات : وكل ذلك دعاوى باطلة مردودة لا دليل عليها ، لأن الآدمي طاهر وما في جوفه معفو عنه ، وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة ، والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت ، ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك ، وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لبيان الجواز انتهى . قال الحافظ : وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال لوجود الطمأنينة في أركان الصلاة . ومن فوائد الحديث جواز إدخال الصبيان المساجد ، وسيأتي الكلام على ذلك ، وأن مس الصغيرة لا ينتقض به الوضوء ، وأن الظاهر طهارة ثياب من لا يحترز من النجاسة [ ص: 144 ] كالأطفال وقال ابن دقيق العيد : يحتمل أن يكون ذلك وقع حال التنظيف ، لأن حكايات الأحوال لا عموم لها .

598 - ( وعن أبي هريرة قال : { كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا رفع رأسه أخذهما من خلفه أخذا رفيقا ووضعهما على الأرض ، فإذا عاد عادا حتى قضى صلاته ، ثم أقعد أحدهما على فخذيه ، قال : فقمت إليه ، فقلت : يا رسول الله أردهما فبرقت برقة ، فقال لهما : الحقا بأمكما فمكث ضوؤها حتى دخلا } . رواه أحمد ) . الحديث أخرجه أيضا ابن عساكر وفي إسناد أحمد كامل بن العلاء وفيه مقال معروف ، وهو يدل على أن مثل هذا الفعل الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم غير مفسد للصلاة .

وفيه التصريح بأن ذلك كان في الفريضة ، وقد تقدم الكلام في شرح الحديث الذي قبل هذا .

وفيه جواز إدخال الصبيان المساجد . وقد أخرج الطبراني من حديث معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { جنبوا مساجدكم صبيانكم وخصوماتكم وحدودكم وشراءكم وبيعكم وجمروها يوم جمعكم واجعلوا على أبوابها مطاهركم } ولكن الراوي له عن معاذ مكحول وهو لم يسمع منه ، وأخرج ابن ماجه من حديث واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع } وفي إسناده الحارث بن شهاب وهو ضعيف . وقد عارض هذين الحديثين الضعيفين حديث أمامة المتقدم وهو متفق عليه . وحديث الباب وحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إني لأسمع بكاء الصبي وأنا في الصلاة فأخفف ، مخافة أن تفتتن أمه } وهو متفق عليه فيجمع بين الأحاديث بحمل الأمر بالتجنيب على الندب كما قال العراقي في شرح الترمذي ، أو بأنها تنزه المساجد عمن لا يؤمن حدثه فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية